للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعمه، ولكن ابن عمه، وأنا عمُّه وأخو أبيه. قال: أخو أبيه؟ قلت: أخو أبيه. فأقبل على أبي سفيان فقال: صدق؟ قال: نعم صدق. فقلت: سلني فإن كذبتُ فليردَّ (١) عليّ. فأقبل عليّ. فقال: نشدتُكَ، هل كان لابن أخيك صَبْوةٌ أو سفهة؟ قلت: لا وإلَه عبد المطلب، ولا كذَب ولا خان، وإنه كان اسمُه عند قريش الأمين. قال: فهل كتب بيده؟ قال العباس: فظننت أنه خيرٌ له أن يكتب بيده، فأردتُ أن أقولها، ثم ذكرتُ مكان أبي سفيان أنه يكذبني ويردُّ (٢) عليَّ، فقلت: لا يكتب. فوثب الحَبْر وترك رداءَهُ وقال: ذُبحت يهود، وقُتلت يهود. قال العباس: فلما رجعنا إلى منزلنا. قال أبو سفيان: يا أبا الفضل، إنَّ اليهود تفزع من ابن أخيك. قلت: قد رأيتَ ما رأيت. فهل لك يا أبا سفيان أن تؤمن به؟ فإنْ كان حقًّا كنتَ قد سبقت، وإنْ كان باطلًا فمعك غيرك من أكفائك. قال: لا أومن به حتى أرى الخيل في كَدَاء (٣)، قلت: ما تقول؟ قال: كلمةٌ جاءتْ على فمي، إلا أني أعلم أنَّ الله لا يترك خيلًا تطلع من كَدَاء. قال العباس: فلما استفتح رسولُ الله مكة، ونظرنا إلى الخيل وقد طلعتْ من كداء، قلت: يا أبا سفيان تذكر الكلمة. قال: إي والله إني لذاكرها، فالحمد لله الذي هداني للإسلام.

وهذا سياقٌ حسن عليه البهاء والنور، وضياء الصدق، وإن كان في رجاله من هو متكلَّمٌ فيه (٤)، والله أعلم.

وقد تقدم ما ذكرناهُ في قصة أبي سفيان مع أمية بن أبي الصلْت (٥)، وهو شبيهٌ بهذا الباب، وهو من أغرب الأخبار وأحسن السياقات، وعليه النور. وسيأتي أيضًا قصة أبي سفيان مع هرقل (٦) ملك الروم حين سأله عن صفات رسولِ الله وأحواله، واستدلاله بذلك على صدقه ونبوَّته ورسالته. وقال له: كنتُ أعلم أنه خارج، ولكن لم أكن أظنُّ أنه فيكم، ولو أعلم أني أخْلُص إليه لتجشَّمتُ لُقِيَّه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، ولئن كان ما تقول حقًا ليملكنَّ موضع قدميَّ هاتين. وكذلك وقع ولله الحمد والمنة.

وقد أكثر الحافظ أبو نعيم من إيراد الآثار والأخبار عن الرهبان والأحبار والعرب، فأكثر وأطنب، وأحسن وأطيب، ورضي عنه.


(١) في ح: فليرده.
(٢) في ح: ورادّ.
(٣) "كداء": الثنية العليا بمكة، مما يلي المقابر، عند المحَصَّب. النهاية (٤/ ١٥٦) ومعجم البلدان (٤/ ٤٣٩).
(٤) قال بشار: هكذا قال المصنف تهوينًا، مع أن العباس بن بَكَّار الضبي كذاب كما قال الدارقطني (الضعفاء والمتروكون ٤٢٣) وقبله قال ابن حبان في المجروحين (٢/ ١٩٠): "يروي من العجائب … لا يجوز الاحتجاج به بحال ولا كتابة حديثه إلا على سبيل الاعتبار للخواص".
(٥) انظر في الجزء الثاني من هذا الكتاب (ط).
(٦) انظر ما سيأتي في الجزء الرابع من هذا الكتاب والعبارة في ح هكذا: وسيأتي قصته مع هرقل.