للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"لو رأيتَه لرأيتَ الشَّمسَ طالعةً" (١). وذكرَ في مقابلةِ ما ابتُلي به يوسفُ من الفُرقة والغُربة، هجرةِ رسولِ الله مِن مكَّةَ إلى المدينة، ومفارقته وطنَه وأهلَه وأصحابَه الذين كانوا بها.

القول فيما أُوتي موسى من الآيات البيِّنات

وأعظمُهن تسعُ آياتٍ، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [الإسراء: ١٠١] وقد شرحناها في التفسير (٢)، وحَكَينا قولَ السَّلف عليها، واختلافهم فيها، وأن الجمهور على أنها: هي العصا في انقلابها حيَّة تسعى، واليدُ إذا أدخلَ يدَه في جَيْبِ درعه ثم أخرجَها تُضيء كقطعة قمر يتلألأُ إضاءَةً، ودعاؤُه على قومِ فرعونَ حين كذَّبوه، فأرسلَ عليهم الطُّوفانَ والجرادَ والقُمَّلَ والضَّفادِعَ والدَّمَ، آياتٍ مُفَصَّلاتٍ، كما بسطنا ذلك في "التفسير" (٣) وكذلك أخذَهم الله بالسّنين، وهي نقصُ الحُبوب، وبالجَدْب، وهو نقصُ الثِّمار، وبالموت الذريع، وهو نقصُ الأنفس، والطُّوفان في قول. ومنها: فَلْقُ البحر لإنجاءِ بني إسرائيلَ وإغراقِ آل فرعون، ومنها: تظليلُ بني إسرائيل في التيه بالغمام، وإنزال المَنّ والسَّلْوى عليهم، واستسقاؤُه لهم، فجعلَ الله ماءَهم يخرجُ من حَجَرٍ يُحملُ معهم على دَابّه، له أربعةُ وجوه، إذا ضربَه موسى بعصاه يخرجُ مِن كلِّ وجه ثلاثةُ أعين، لكلِّ سِبطٍ عَينٌ، ثم يضربُه فينقلع، إلى غير ذلك من الآياتِ الباهراتِ، كما بسطنا ذلك في التفسير، وفي قصَّة موسى من كتابنا هذا في قصص الأنبياء منه، وللّه الحمدُ والمِنَّة، وقتل كلِّ من عَبَدَ العجْلَ منهم ثم أحياهُم الله تعالى، وقصَّة البقرة.

أما العصا، فقال شيخنا العلَّامة ابنُ الزَّملكانِيّ: وأما حياة عصا موسى، فقد سبَّح الحَصى في كفِّ رسولِ الله وهو جَماد، والحديثُ في ذلك صحيح (٤)، وهذا الحديثُ مشهورٌ عن الزُّهريّ، عن رجل، عن أبي ذَرٍّ، وقد قدَّمنا ذلك مبسوطًا في دلائل النبوة بما أغنى عن إعادته، وقيل: إنهن سبَّحنَ في كف (٥) أبي بكر ثم عمرَ ثم عثمان، كما سبَّحنَ في كفِّ رسول الله ، فقال: هذه خِلافةُ النُّبُوَّة.

وقد روى الحافظ ابن عساكر بسنده إلى بكر بن خنيس، عن رجل سمَّاه قال: كانَ بيد أبي مُسلم الخَوْلاني سُبْحَةٌ يُسَبِّحُ بها، قال: فنامَ والسُّبْحَةُ في يدِه، قال: فاستدارتِ الشُبْحَةُ فالتفَّتْ على ذراعِه


(١) رواه الدارمي كما ذكر الخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح (٢٧٩٣) عن عمار بن ياسر ، وابن الأثير في أسد الغابة (٧/ ١٠٨) وهو حديث حسن.
(٢) انظر تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (٣/ ٨٦).
(٣) انظر تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (٣/ ٨٦).
(٤) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٨/ ٢٩٩) وقد تقدم في الدلائل.
(٥) في نسخة "في يد".