للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله . فدعاني خالدٌ عليها بالبينة، فأتيته بها، وكانت البينة محمد بن مسلمة ومحمد بن بَشِيرٍ الأنصاريَّ، فسلَّمها إليَّ، فنزل إليَّ أخوها عبد المسيح يريد الصلح، فقال: بِعنيها. فقلت: لا أنقصها والله عن عشر مئة درهمٍ. فأعطاني ألف درهمٍ، وسلَّمتها إليه، فقيل: لو قلت مئة ألفٍ لدفعها إليك. فقلت: ما كنت أحسب أن عددًا أكثر من عشر مئةٍ.

* * *

قدوم وفد ثقيفٍ على رسول الله في رمضان من سنة تسعٍ

تقدم أن رسول الله لما ارتحل عن ثقيفٍ سئل أن يدعوَ عليهم فدعا لهم بالهداية، وقد تقدم أن رسول الله حين أسلم مالك بن عوفٍ النَّصريُّ أنعم عليه وأعطاه، وجعله أميرًا على من أسلم من قومه، فكان يغزو بلاد ثقيفٍ ويضيِّق عليهم، حتى ألجأهم إلى الدخول في الإسلام، وتقدم أيضًا فيما رواه أبو داود، عن صخر بن العيلة الأحمسيِّ أنه لم يزل بثقيفٍ حتى أنزلهم من حصنهم على حكم رسول الله ، فأقبل بهم إلى المدينة النبوية بإذن رسول الله له في ذلك.

قال ابن إسحاق (١): وقدم رسول الله المدينة من تبوك في رمضان، وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيفٍ، وكان من حديثهم أن رسول الله لما انصرف عنهم، اتَّبِع أثره عروة بن مسعودٍ، حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة فأسلم، وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام، فقال له رسول الله -كما يتحدث قومه-: "إنهم قاتلوك". وعرف رسول الله أن فيهم نخوة الامتناع؛ للذي كان منهم، فقال عروة: يا رسول الله، أنا أحبُّ إليهم من أبكارهم. وكان فيهم كذلك محبَّبًا مطاعًا، فخرج يدعو قومه إلى الإسلام، رجاء أن لا يخالفوه؛ لمنزلته فيهم، فلما أشرف على عِلِّيَّةٍ له، وقد دعاهم إلى الإسلام وأظهر لهم دينه، رمَوه بالنبل من كلِّ وجهٍ فأصابه سهمٌ فقتله، فيزعم بنو مالكٍ أنه قتله رجلٌ منهم يقال له: أوس ابن عوفٍ. أخو بني سالم بن مالكٍ، وتزعم الأحلاف أنه قتله رجلٌ منهم من بني عتَّابٍ يقال له: وهب بن جابرٍ. فقيل لعروة: ما ترى في دمك؟ قال: كرامةً أكرمني الله بها، وشهادةً ساقها الله إليَّ، فليس فيَّ إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله قبل أن يرتحل عنكم، فادفنوني معهم. فدفنوه معهم، فزعموا أن رسول الله قال فيه: "إن مثَله في قومه كمثل صاحب يس في قومه". وهكذا ذكر موسى بن عقبة قصة عروة، ولكن زعم أن ذلك كان بعد حجة أبي بكر الصديق، وتابعه أبو بكرٍ البيهقيُّ في ذلك وهذا بعيدٌ، والصحيح أن ذلك قبل حجة أبي بكرٍ كما ذكره ابن إسحاق. والله أعلم.


(١) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٥٣٧).