في أول يومٍ منها جلس حُسين بن حسن الأفطس على طِنْفِسَةٍ مثلَّثةٍ خلفَ المقام، وأمرَ بتجريدِ الكعبة مِمَّا عليها من كساوَى بني العباس وقال: نُطَهِّرُها من كساويهم. وكساها مُلاءتَيْن صفراوَيْن، عليهما اسمُ أبي السرايا، ثم أخذ ما في كَنْز الكعبةِ من الأموال، وتتبَّع ودائعَ بني العباس فأخذها، حتى إنه أخذَ مالَ ذوي المال، ويزعُم أنه للمسوِّدة، وهرب منه الناسُ إلى الجبالِ وسبَكَ ما على رؤوس الأساطينِ من الذهب، وكان يَنْزِلُ مِقدارٌ يسيرٌ بعد جهد، وقلعوا ما في المسجِد الحرام من الشبابيك وباعوها بالبَخْس، وأساؤوا السِّيرة جدًّا، فلما بلغَهُ مقتل أبي السرايا كتَمَ ذلك، وأمَّرَ رجلًا من الطالبيِّين شيخًا كبيرًا، واستمرَّ على سوء السيرة، ثم هرب في سادس عشر المحرَّم منها وذلك لما قهر هرثمةُ أبا السرايا، وهزم جيشَه وأخرجه ومَنْ معَهُ من الطالبيِّين من الكوفة، ودخلها هرثمةُ ومنصور بن المهدي، فأمَّنوا أهلَها ولم يتعرَّضوا لأحد.
وسار أبو السرايا بِمَنْ معه إلى القادسيَّة، ثم سار منها فاعترضهم بعضُ جيوشِ المأمون فهزمهم أيضًا وجُرح أبو السرايا جِراحةً مُنكرة جدًّا، وهربوا يريدون الجزيرة إلى مَنْزل أبي السرايا برأس العَين، فاعترضهم بعضُ الجيوش أيضًا، فأسروهم وأتَوْا بهم الحسَن بن سهل وهو بالنَّهْرَوَان، حين طردَتْهُ الحربيَّة، فأمر بضرْبِ عُنق أبي السرايا، فجَزِع من ذلك جزَعًا شديدًا جدًّا، وطِيف برأسه، وأمر بجسده أن يقطَّع اثنتين، وينصب على جسري بغداد. فكان بين خروجه وقتلِه عشرةُ أشهر. فبعث الحسنُ بن سهل محمدَ بن محمد إلى المأمون مع رأسِ أبي السرايا، وقال بعض الشعراء:
ألم تَرَ ضَرْبَةَ الحسنِ بن سَهْلٍ … بسيفِكَ يا أميرَ المؤمنينا
(١) في (ح، ق): والد مطيع البلخي، وهو تصحيف، والمثبت من (ب)، وهو الحكم بن عبد اللَّه أبو مطيع البلخي، ترجمته في الجرح والتعديل (٣/ ١٢١)، وميزان الاعتدال (٢/ ٣٣٩).