للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل]

تقدَّم أنه صلَّى الظهر بالمدينة، أربعًا، ثم ركب منها إلى الحُلَيفة وهي وادي العَقيق، فصلَّى بها العصرَ ركعتين، فدلَّ على أنّه جاء الحُلَيْفة نهارًا في وقت العصر، فصلى بها العصر قصرًا، وهي من المدينة على ثلاثة أميال، ثم صلّى بها المغربَ والعشاء، وبات بها حتى أصبح، فصلَّى بأصحابه، وأخبرهم أنّه جاءه الوحيُ من الليل بما يعتمده في الإحرام.

كما قال الإمام أحمد (١): حدّثنا يَحْيى بن آدم، حدّثنا زهير، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، عن النبي : أنه أُتي [وهو] في المُعَرَّس من ذي الحُلَيْفة، فقيل له: إنك ببطحاء مباركة.

وأخرجاه في "الصحيحين" (٢) من حديث موسى بن عُقبة به.

وقال البخاري (٣): حدّثنا الحُمَيْدي، حدّثنا الوليد وبشر بن بكر قالا: حدّثنا الأوزاعي، حدّثنا يحيى، حدّثني عِكْرمة أنًّه سمع ابن عباس، أنه سمع عمر يقول: سمعت رسول الله بوادي العقيق يقول: "أتاني الليلةَ آتٍ من ربّي، فقال: صَلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل عُمرةً في حجّة". تفرد به دون مسلم. فالظاهر أن أمره بالصلاة في وادي العقيق هو أمر بالإقامة به إلى أن يصلِّى صلاةَ الظُّهْر، لأنَّ الأمر إنما جاءه في الليل، وأخبرهم بعد صلاة الصبح، فلم يبق إلا صلاةُ الظهر، فاُمِر أن يصلّيَها هنالك، وأن يُوقع الإحرام بعدها، ولهذا قال: "أتاني الليلةَ آتٍ من ربي ﷿، فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقُلْ: عُمرةً في حجة". وقد احتُجَّ به على الأمر بالقِران في الحج، وهو من أقوى الأدلة على ذلك كما سيأتي بيانه قريبًا. والمقصود أنه أمر بالإقامة بوادي العقيقِ إلى صلاة الظُّهر، وقد امتثل صلوات الله وسلامه عليه ذلك، فأقام هنالك، وطاف على نسائه في تلك الصَّبيحة، وكنّ تسعَ نسوة، وكلهنّ خرج معه، ولم يَزَلْ هنالك حتى صلّى الظهر، كما سيأتي في حديث أبي حسان الأعرج، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الظهر بذي الحُلَيفة، ثم أشْعَرَ بَدَنَتاه (٤)، ثم ركب، فأهلَّ.


(١) مسند الإمام أحمد (٢/ ٩٠).
(٢) صحيح البخاري رقم (١٥٣٥) في الحج باب قول النبي : العقيق واد مبارك، وصحيح مسلم رقم (١٣٤٦) في الحج باب التعريس بذي الحليفة والصلاة بها إذا صدر من الحج أو العمرة.
(٣) صحيح البخاري رقم (١٥٣٤) في الحج باب قول النبي العقيق واد مبارك.
(٤) أشعر بدنته هو أن يشق أحد جنبي سنام البدنة حتى يسيل دمها ويجعل ذلك لها علامة تعرف بها أنها هدي (النهاية: شعر).