للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأبو هريرة، وعائشةُ، أجمعين، كما سَنُبَيِّنه قريبًا. ولو تَفَرَّدَ بروايتِه الصديق، ، لوجَبَ على جميعِ أهْلِ الأرض قَبولُ روايتِهِ والانْقيادُ له في ذلك، وإن كان غَضَبُها لأجلِ ما سألتِ الصديقَ، إذ كانَتْ هذه الأراضي صَدَقةً لا ميراثاً، أن يكونَ زوجُها ينظُرُ فيها، فقد اعتذَرَ بما حاصِلُهُ أنه لما كان خليفةَ رسولِ الله ، فهو يرى أن فرضًا عليه أن يَعْمَلَ بما كانَ يَعْمله رسولُ الله ، ويَلي ما كانَ يَليه رسولُ الله، ولهذا قال: وإني واللهِ لا أدَعُ أمْرًا كان يَصْنَعُهُ فيه رسولُ الله إلا صَنَعْتُه، قال: فهجرَتْهُ فاطمةُ فلم تُكَلِّمْه حتى ماتَتْ. وهذا الهِجرانُ والحالةُ هذه فَتَح على فِرْقَة الرافضةِ شرَّاً عَريضاً، وجَهْلاً طويلاً، وأدْخَلوا أنفسَهم بسببه فيما لا يَعْنيهم، ولو تَفَهَّموا الأمورَ على ما هي عليه لعَرفوا للصِّدِّيق فضلَه، وقَبِلوا منه عُذْرَهُ الذي يجبُ على كل أحدٍ قَبولُه، ولكنهم طائفةٌ مَخْذولةٌ، وفِرْقَةٌ مَرْذولةٌ، يَتَمسَّكون بالمُتشابه، ويَتْرُكون الأمورَ المُحْكَمَة المُقَرَّرَة (١) عند أئمة الإسلام، من الصحابة والتابعين، فمنْ بعدَهم من العلماء المُعْتَبرين في سائر الأعْصار والأمْصار، وأرضاهم أجمعين.

بيانُ روايةِ الجَماعَةِ لمِا رَواهُ الصِّدِّيقُ ومُوافَقَتِهمْ على ذلك

قال البخاري (٢): حدَّثنا يحيى بن بُكَير، ثنا الَّليْثُ، عن عُقَيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني مالك (٣) بن أوس بن الحَدَثان، وكان محمد بن جُبَيْر بن مُطْعم ذكر لي ذِكرًا من حديثه ذلك، فانطلقتُ حتى دخلتُ عليه، فسألتُه، فقال: انطلقتُ حتى أدْخُلَ على عُمَرَ، فأتاهُ حاجبُه يَرْفا، فقال: هل لك في عثمانَ وعبد الرحمن بن عَوْفٍ، والزُّبَيْر وسَعْدٍ؟ قال: نعم، فأذِنَ لهم، ثم قال: هَلْ لَكَ في عليٍّ وعباس؟ قال: نعم. قال عباس: يا أمير المؤمنين اقضِ بَيْني وبينَ هذا، قال: أنْشُدُكمْ بالله الذي بإذنِهِ تقومُ السَّماءُ والأرضُ، هل تعلمون أنَّ رسول الله قال: "لا نُورثُ، ما تَرَكْنا صَدَقةٌ؟ " يريدُ رسولُ الله نفسَه؟ قال الرهط: قَدْ قالَ ذلك. فأقبلَ على على وعباس، فقال: هل تَعْلَمان أنَّ رسول الله قد قال ذلك؟ قالا: قَدْ قالَ ذلك. قال عمر بن الخطاب: فإني أُحَدِّثكم عن هذا الأمر؛ إن اللهَ كانَ قد خَصَّ لرسولِ الله في هذا الفيء بشيءٍ لم يُعْطِه أحدًا غيرَه. قال ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ إلى قوله ﴿قَدِيرٌ﴾ [الحشر: ٦] فكانَتْ خالصةً لرسول الله ، والله ما احتازَها (٤) دونكم، ولا اسْتَأثر بها (٥) عليكم، لقد أعطاكموها وبثَّها فيكم، حتى بقيَ منها هذا المالُ، فكانَ رسول الله


(١) ط: (المقدَّرة).
(٢) البخاري (٦٧٢٨).
(٣) ط: (ملك بن أوس بلن الحدثنان) وكلها تحريفات. وانظر سير أعلام النبلاء (٤/ ١٧١).
(٤) أ: (ما اختارها).
(٥) أ، ط: (استأثرها).