للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيها حاصرَ قحطبةُ نَهَاونْدَ حصارًا شديدًا، حتَّى سألَهُ أهلُ الشام الذين بِها أنْ يُمْهِل (١) أهلَها حتَّى يفتحوا له الباب، ففتحوا له الباب وأخذوا لهم منه أمانًا، فقال لهم مَنْ بها من أهلِ خُرَاسان: ما فعلتُمْ؟ فقالوا: أخَذْنا لنا ولكم أمانًا. فخرجوا ظانِّين أنهم في أمان، فقال قحطبةُ للأمراء الذين معه: كلُّ مَنْ حَصَل عندَه أسيرٌ من الخراسانيِّين فَلْيضرِبْ عُنقَه، وَلْيأتنَا برأسِه، ففعلوا ذلك، ولم يبقَ ممن كان هرَبَ من أبي مسلم أحدٌ. وأطلقَ الشاميِّين وأوفى لهم عَهْدَهم، وأخذَ عليهمُ الميثاق أنْ لا يُمالئوا عليه عدوًّا. ثم بعث قحطبةُ أبا عَوْن إلى شَهْرَزُور عن أمر أبي مسلم في ثلاثين ألفًا، فافتتحها وقتل نائبَها عثمانَ بن سفيان، وقيل: لم يُقتَل، بل تحوَّلَ إلى المَوْصل والجزيرة، وبعث إلى قحطبةَ بذلك، ولما بلغ مروانَ خبَرُ قحطبةَ وأبي مسلم وما وقع من أمرِهما تحوَّلَ مروانُ من حَرَّان، فنَزل بمكانٍ يُقال له الزابُ الأكبر.

وفيها قصد قحطبةُ في جيشٍ كثِيف نائبَ العراق يزيدَ بن عمر بن هُبيرة، فلما اقتربَ منه تقهقر ابنُ هُبيرةَ إلى ورائه، وما زال يتقهقَرُ إلى أنْ جاوز الفُرَات، وجاء قحطبةُ فجازها وراءَه، وكان من أمرِهما ما سنذكرُهُ في السنةِ الآتيةِ إنْ شاءَ اللَّه تعالى.

[ثم دخلت سنة ثنتين وثلاثين ومئة]

في المحرَّمِ منها جاز قحطبة بنُ شَبِيب الفرات، ومعه الجنودُ والفرسان، وابنُ هُبيرةَ مُخيِّمٌ على فَمِ الفرات مما يلي الفَلُّوجَة (٢) في خلقٍ كثير، وجَمٍّ غَفِير، وقد أمِدَّ مروان بجنودٍ كثيرة، وانضاف إليه كلُّ مَنِ انهزَمَ من جيشِ ابن ضُبَارة، ثم إنَّ قحطبةَ عدَلَ إلى الكوفةِ ليأخذَها، فاتبعهُ ابنُ هُبيرةَ، فلما كانتْ ليلةُ الأربعاء لثمانٍ مضَيْنَ من المحرم اقتتلوا قتالًا شديدًا، وكَثُرَ القتلُ في الفريقَيْن، ثم ولَّى أهلُ الشامِ مُنْهَزِمين، واتبعهم أهلُ خُراسان، وفُقد قحطبةُ من الناس، فأخبرهم رجلٌ أنه قُتلَ وأوصى أنْ يكونَ أميرَ الناسِ من بعده ولدُهُ الحسنُ حاضرًا عند الجيش، فبايعوا حُمَيد بن قحطبةَ لأخيهِ الحسن، وذهبَ البريدُ إلى الحسن ليحضُر، وقُتل في هذه الليلةِ جماعةٌ من الأمراء، والذي قتلَ قحطبةَ مَعْنُ بن زائدة ويحيى بنُ حصين، وقيل: بل قتلَهُ رجلٌ ممن كان معه آخذًا بثأرِ ابني نصرِ بن سيَّار، فاللّه أعلم، ووُجدَ قحطبةُ في القتلى، فدُفن هنالك.


(١) في (ب، ح): "يشغل" بدل "يمهل".
(٢) الفَلوجَة: بالفتح ثم التشديد، وواو ساكنة، وجيم: قال الليث: فَلاليجُ السواد قُراها، وإحداها الفَلُّوجَة، والفلوجة الكبرى، والفلوجة الصغرى، قريتان كبيرتان من سوادِ بغدادَ والكوفة، قربَ عينِ التمر، ويقال الفلوجة العليا، والفلوجة السفلى أيضًا، وفي الصحاح: الفلوجة: الأرض المصلحة للزرع، ومنه سُمِّي موضعٌ على الفرات الفلوجة، والجمع فلاليج. معجم البلدان (٤/ ٢٧٥)، وهي اليوم مدينة معروفة بغربي بغداد تبعد عنها (٧٠) كيلو مترًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>