للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر ابن جرير (١) في هذه السنة من طريق سيف بن عمر عن أبي المجالد أن عمر بن الخطاب بعث ينكر على خالد بن الوليد في دخوله إلى الحمام، وتدلكه بعد النُّورة بعصفر معجون بخمر، فقال في كتابه: إن الله قد حرَّم ظاهر الخمر وباطنه، كما حرَّم ظاهر الإثم وباطنه، وقد حرم مسّ الخمر فلا تمسّوها أجسامكم فإنها نجس، فإن فعلتم فلا تعودوا. فكتب إليه خالد: إنا قتلناها فعادت غسولًا غير خمر. فكتب إليه عمر: إني أظنّ أن آل المغيرة قد آبتلوا بالجفاء فلا أماتكم الله عليه فانتهى لذلك) (٢).

قال سيف: وأصاب أهلَ البصرة تلك السنة طاعون أيضًا فماتَ بشرٌ كثيرٌ وجمٌّ غفيرٌ، ورضي الله عنهم أجمعين.

قالوا: وخرج الحارث بن هشام في سبعين من أهله إلى الشام فلم يرجع منهم إلا أربعة. فقال المهاجر بن خالد (٣) في ذلك: [من السريع]

منْ يسكنِ الشَّام يُعرِّسْ بهِ … والشّامُ إنْ لمْ يُفْننا كاربُ

أفنى بني رَيْطة فُرسانهُمُ … عِشْرون لمْ يُقْصصْ لهم شاربُ

ومنْ بني أعْمامِهمْ مِثْلهمْ … لِمِثْلِ هذا يعجب (٤) العاجبُ

طَعْنًا وطاعونًا مناياهُمُ … ذلكَ ما خطَّ لنا الكاتبُ

كائنةٌ غَريبةٌ فيها عزل خالد عن قِنَّسرين أيضًا

قال ابن جرير (٥): وفي هذه السنة أدرب خالد بن الوليد وعياض بن غنم، أي: سلكا درب الروم وأغارا عليهم، فغنموا أموالًا عظيمة وسبيًا كثيرًا. ثم روى من طريق سيف، عن أبي عثمان وأبي حارثة والربيع وأبي المجالد، قالوا: لما رجع خالدٌ ومعه أموالٌ جزيلةٌ من الصائفة انتجعه الناس يبتغون رفده ونائله، فكان ممَّن دخل عليه الأشعث بن قيس فأجازه بعشرة آلاف، فلما بلغ ذلك عمر (٦) كتب إلى أبي عبيدة يأمره أن يقيم خالدًا ويكشف عمامته وينزع عنه قلنسوته ويقيّده بعمامته ويسأله عن هذه العشرة آلاف، إن كان أجازها الأشعث من ماله فهو سَرَفٌ، وإن كان من مال الصائفة فهي خيانة (٧)، ثم اعزله عن عمله. فطلب أبو عبيدة خالدًا وصعد أبو عبيدة المنبر، وأقيم خالد بين يدي المنبر، وقام إليه بلال ففعل


(١) في تاريخه (٤/ ٦٦).
(٢) في تاريخ الطبري: إليه ذلك.
(٣) الأبيات في تاريخ الطبري (٤/ ٦٥) للمهاجر بن خالد بن الوليد.
(٤) في أ: عجب، وفي تاريخ الطبري: أعجب.
(٥) في تاريخه (٤/ ٦٦).
(٦) في أ: فلما بلغ عمر ذلك.
(٧) في أ: جناية.