للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعرفه كما أعرف أن اللَّه ﷿ خلقني، وكما أعرف الليل من النهار، فاقشعرّت كلّ شعرةٍ مني.

وقال محمد بن إسحاق (١)، عن إسماعيل بن أميّة، عن أبي الزّبير، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ قال: قال النبيّ : "لما أصيب إخوانكم يوم أحدٍ، جعل اللَّه أرواحهم في أجواف طيرٍ خضرٍ، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلّقةٍ في ظلّ العرش، فلمّا وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم، وحسن مقيلهم قالوا: من يبلّغ إخواننا عنا أنّا أحياءٌ في الجنة نرزق؛ لئلا ينكلوا عن الحرب، ولا يزهدوا في الجهاد؟ فقال اللَّه ﷿: أنا أبلّغهم عنكم". فأنزل اللَّه في الكتاب قوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾.

وروى مسلمٌ والبيهقيّ (٢) من حديث أبي معاوية، عن الأعمش، عن عبد اللَّه بن مرّة، عن مسروقٍ قال: سألنا عبد اللَّه بن مسعودٍ عن هذه الآية: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾. قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول اللَّه فقال: "أرواحهم كطيرٍ خضرٍ (٣)، تسرح في أيّها شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلّقةٍ بالعرش". قال: "فبينما هم كذلك، إذ اطّلع عليهم ربّك اطّلاعةً، فقال: سلوني ما شئتم. فقالوا: يا ربّنا، وما نسألك ونحن نسرح في الجنَّة في أيّها شئنا؟! فلمّا رأوا أن لن يُتركوا من أن يسالوا، قالوا: نسألك أن تردّ أرواحنا إلى أجسادنا في الدّنيا، نقتل في سبيلك". قال: "فلما رأى أنهم لا يسألون إلا هذا تُركوا".

فصلٌ في عدد الشّهداء

قال موسى بن عقبة (٤): جميع من استشهد يوم أحدٍ من المهاجرين والأنصار، تسعةٌ وأربعون رجلًا.

وقد ثبت في الحديث الصحيح عند البخاريّ (٥) عن البراء، أنهم قتلوا من المسلمين سبعين رجلًا، فاللَّه أعلم.

وقال قتادة، عن أنسٍ (٦): قتل من الأنصار يوم أحدٍ سبعون (٧)، ويوم بئر معونة سبعون، ويوم اليمامة سبعون.


(١) في "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ١١٩).
(٢) رواه مسلم رقم (١٨٨٧) والبيهقي في "دلائل النبوة" (٣/ ٣٠٣) واللفظ له.
(٣) في (ط): "أرواحهم في جوف طير خضر".
(٤) انظر "دلائل النبوة" للبيهقي (٣/ ٢٨٠).
(٥) في "صحيحه" رقم (٣٩٨٦).
(٦) انظر "صحيح البخاري" رقم (٤٠٧٨).
(٧) انظر "الفصول في سيرة الرسول" للمؤلف ص (١٥٠).