للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَوَ أنَّ بني لحيان كانوا تناظروا … لقُوا عُصَبًا في دارهم ذات مَصْدَقِ

لقُوا سَرَعانًا يملأ السَّرب رَوعه … أمام طَحونٍ كالمجرَّة فيلقِ

ولكنَّهم كانوا وِبارًا تتبَّعت … شِعابَ حجارٍ غير ذي متنفَّقِ

* * *

غَزْوَة ذي قرد

قال ابن إسحاق (١): ثم قدم رسول الله المدينة، فلم يقم بها إلَّا ليالي قلائل، حتى أغار عُيينة بن حصن [بن حذيفة] بن بدر الفَزَاريُّ، في خيل من غطفان على لقاح النبيِّ بالغابة، وفيها رجلٌ من بني غِفَار ومعه امرأته، فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة في اللِّقاح.

قال ابن إسحاق (٢): فحدَّثني عاصم بن عمر بن قَتَادة، وعبد اللّه بن أبي بكر، ومن لا أتَّهم، عن عبد اللّه بن كعب بن مالك - كلٌّ قد حدَّث في غزوة ذي قَرَد بعض الحديث - أنه كان أول من نذِر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي، غدا يريد الغابة متوشح قوسه ونبله، ومعه غلام لطلحة بن عُبيد اللّه معه فرس له يقوده، حتى إذا علا ثَنِيَّةَ الوَدَاع (٣) نظر إلى بعض خيولهم، فأشرف في ناحية سَلْع (٤)، ثم صرخ: واصباحاه. ثم خرج يشتدُّ في آثار القوم، وكان مثل السَّبُع، حثى لحق بالقوم، فجعل يردّهم بالنَّبل ويقول إذا رمى: [من مجزوء الرجز]

خُذْهَا [و] أنا ابنُ الأَكوعْ … اليومُ يوم الرُّضعْ

فإذا وجِّهت الخيل نحوه انطلق هاربًا ثم عارضهم، فإذا أمكنه الرَّمي رمى، ثم قال:

خُذْهَا [و] أنا ابن الأَكوعْ … اليومُ يوم الرّضعْ

قال: فيقول قائلهم أُوَيْكِعُنا (٥) هو أول النهار. قال: وبلغ رسول اللّه صياح ابن الأَكوع، فصرخ بالمدينة: "الفَزَعَ الفَزَعَ". فترامت الخيول إلى رسول اللّه ، فكان أول من انتهى إليه من الفُرسان المقداد بن الأسود، ثم عبَّاد بن بشر، وسعد بن زيد، وأُسيد بن ظهير - يشك فيه - وعُكَّاشة بن


(١) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٨١).
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٨١ - ٢٨٢).
(٣) قال الفيروزابادي: وهي ثنية مشرفة على المدينة، يطأها من يريد مكة، وقيل: من يريد الشام. "المغانم المطابة" ص (٨٠) بتحقيق شيخنا العلَّامة حمد الجاسر رحمه اللّه تعالى وأحسن إليه.
(٤) قال الفيروزابادي: سلع: جُبيل بسوق المدينة. وقال الأزهري: موضع بقرب المدينة. "المغانم المطابة" ص (١٨٣).
(٥) أي: يخوفنا، أو يصرفنا عن غايتنا.