للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان متقلّلًا في المطعم على حال (١) عظيمة فقرًا وورعًا وصبرًا، وكان ينفق عليه في كلِّ شهر أربعة دراهم، وكان لا يسأل أحدًا شيئًا، وكان قد اختُلط في آخر عمره. وتوفي في المحرم من هذه السنة.

[ثم دخلت سنة ست وتسعين ومئتين]

في ربيع الأول منها اجتمع جماعة من القوَّاد والجند على خلْع المقتدر باللّه وتولية عبد اللّه بن المعتز الخلافة عوضًا عنه، فأجابهم على أنه لا يُسفك بسببه دم. وكان المقتدر قد خرج للعب بالصوالجة، فقصد إليه الحسين بن حمدان [يريد أن] (٢) يفتك به، فلمَّا سمع المقتدر الضّجَّة بادر إلى دار الخلافة فأغلقها دون الجيش. واجتمع القوّاد والأعيان والقضاة في دار المخرم (٣)، فبايعوا عبد اللّه بن المعتز، وخوطب بالخلافة، ولُقِّب بالمرتضي باللّه. وقال الصولي: إنما لقبوه: المنتصف باللّه. واستوزر أبا عبد الله محمد بن داود، وبعث إلى المقتدر يأمره بالتحوّل من دار الخلافة إلى دار ابن طاهر لينتقل هو إليها، فأجيب بالسمع والطاعة، فركب الحسين بن حمدان من الغد إلى دار الخلافة ليتسلَّمها، فقاتله الخدم ومَن فيها، ولم يسلموها إليه، فلم يقدر على تخليص أهله وبعض ماله إِلَّا بالجهد الجهيد. فلما قدر عليهم ارتحل من فوره إلى الموصل، فتفرَّق نظام الجماعة.

وأراد ابن المعتزّ أن يتحوَّل إلى سامُرَّا لينزلها، فلم يتبعه أحد من الأمراء، فدخل إلى دار ابن الجصاص فاستجار به. ووقع النهب بالبلد، واختبط الناس، وبعث المقتدر إلى أصحاب ابن المعتز فقبض عليهم، وقتل أكثرهم، وأعاد ابنَ الفرات إلى الوزارة، فجددت البيعة للمقتدر، وأرسل إلى دار ابن الجصاص فكبسها، وأحضر ابن المعتز وابن الجصّاص، فصادر ابنَ الجصَّاص بمالٍ جزيلٍ جدًّا، يقال: إنه وزن ستة عشر ألف ألف درهم مصادرة، ثم أطلقه واعتقل ابن المعتز، فلمَّا دخل في ربيع آخر ليلتان ظهر للناس موتُه، وأخرجت جثته فسلِّمت إلى أهله فدفن، وصفح المقتدر عن بقية من سعى في هذه الفتنة حتى لا تفسد نيات الناس.

قال ابن الجوزي (٤): ولا يُعرف خليفة خُلع ثم أعيد سوى الأمين والمقتدر.

وفي يوم السبت لأربع بقين من ربيع الأول سقط ببغداد ثلج عظيم حتى اجتمع على الأسطحة منه نحو من أربع أصابع، وهذا مستغرب في بغداد جدًّا.


(١) في آ، ظا، ط: حالة، وأثبت ما جاء في ب، وهو الموافق لما في تاريخ بغداد.
(٢) زيادة من ط.
(٣) في آ: في دارة الخلافة.
(٤) المنتظم (٦/ ٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>