للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنة، ومع هذا فانقلي حواصلي إليكِ، فإني أخوف ما أخاف عليك من أختي، [وأخوف ما أخاف على نفسي منها]، فنقل حواصله إلى أمّه، وكان له في صناديق قريب من ثلاثمئة ألف دينار وجواهر، فقالت له أمّه: يا مولانا، فإذا كان الأمر كما تقول: فارحمني ولا تركب في ليلتك هذه إلى موضع، وكان من عادته أن يدور حول القصر كل ليلة، فدار ثمّ عاد إلى القصر فنام إلى قريب من ثلث الّليل الأخير، فاستيقظ، وقال: إن لم أركب الليلة فاضت نفسي، فركب فرسًا، وصحبه صبيّ [وركابي]، وصعِد جبل المقطَّم، فاستقبله ذانك العبدان فأنزلاه عن مركوبه، وقطعا يديه ورجليه، وبقرا جوفه، وحملاه فأتيا به مولاهما ابن دواس، فحمله إلى أخته فدفنته في مجلس دارها، واستدعت الأمراء والكبار والوزير وقد أطلعته على الجليّة، فبايعوا لولد الحاكم أبي الحسن علي، ولقّب بالظاهر لإعزاز دين اللَّه، وكان بدمشق، فاستدعت به وجعلت تقول للناس: إن الحاكم قال لي: إنه سيغيب سبعة أيام ثمّ يجود، فاطمأن الناس بذلك، وجعلت [ترسل] ركابيين يصعدون الجبل ويجيئون ويقولون: تركناه بالموضع الفلاني، ويقول الذين من بعدهم [لأمّه]: تركناه في موضع كذا حتى اطمأن الناس، وقدم ابن أخيها وقد استصحب من دمشق ألف ألف دينار، وألفي ألف درهم. فحين وصل ألبسته تاج المعزّ جدّ أبيه، وحلّة عظيمة، وأجلسته على السرير، وبايعه الأمراء والرؤساء، وأطلق لهم الأموال الجزيلة، وخلعت على ابن دواس خلعة سنيّة هائلة، وعملت عزاء أخيها الحاكم ثلاثة أيام، ثمّ أرسلت إلى ابن دواس طائفة من الجند ليكونوا بين يديه بسيوفهم، وقوفًا في خدمته، ثمّ أمرتهم في بعض الأيام أن يقولوا له: أنت قاتل مولانا، ثمّ يهبرونه بسيوفهم، ففعلوا ذلك، وقتلت كلّ من اطلع على سرّها في قتل أخيها فَعَظُمتْ هيبتها، وقَويت حرمتها، وثَبتت دولتها. وقد كان عمر الحاكم حين قُتل سبعًا وثلاثين سنة، وكانت مدة ملكه من ذلك خمسًا وعشرين سنة [لعنه اللَّه] (١).

[ثم دخلت سنة ثنتي عشرة وأربعمئة]

فيها: تولى القاضي أبو جعفر [أحمد بن محمد] السمنانيّ الحسبة والمواريث ببغداد، وخُلِعَ عليه بالسواد.

وفيها: قال جماعة من [العلماء و] المسلمين للملك الكبير يمين الدولة محمود بن سُبُبكْتِكين: أنت [أكبر] ملوك الأرض، وفي كلّ سنة تفتح طائفة من بلاد الكفر والعدوِّ، وهذه طريق الحجّ قد تعطلت من مدة سنين، وفتحك لها أوجب من غيرها، فتقدّم إلى قاضي القضاة بعملة أبي محمد الناصحي أن يكونْ أمير الحجّ في هذه السنة، وبعث معه بثلاثين ألف دينار للأعراب، غير ما جهّز معه من الصدقات


(١) زيادة من ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>