للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[ذكر فتح دمشق]]

قال سيف بن عمر (١):

لما ارتحل أبو عبيدة من اليرموك فنزل بالجنود على مرج الصُّفَّر وهو عازم على حصار دمشق إذ (٢) أتاهُ الخبرُ بقدوم مددهم من حمص، وجاءه الخبرُ بأنَّه قد اجتمع طائفة كبيرة (٣) من الروم بفِحْلٍ من أرض فلسطين، وهو لا يدري بأي الأمرين يبدأ. فكتب إلى عمر في ذلك، فجاء الجواب أن ابدأ بدمشق فإنها حصنُ الشام وبيتُ مملكتهم، فانهد لها وأشغلوا عنكم أهل فِحْل بخيولٍ تكون تلقاءهم، فإن فتحَها اللهُ قبلَ دمشق فذلك الذي نحبُّ (٤)، وإن فُتحت دمشقُ قبلَها فسرْ أنت ومن معكَ واستخلفْ على دمشقَ، فإذا فتح الله عليكم فِحْلَ (٥) فسر أنت وخالد إلى حمص واترك عمرًا وشرحبيل على الأردن وفلسطين.

قال: فسرّح أبو عبيدة إلى فِحْل عشرةَ أمراء، مع كل أميرٍ خمسة أمراء، وعلى الجميع عمارة بن مخشي الصحابي، فساروا من مرج الصُّفّر إلى فِحْل فوجدوا الروم هنالك قريبًا من ثمانين ألفًا، وقد أرسلوا المياه حولهم حتَّى أرْدَغَتِ الأرض (٦) فسموا ذلك الموضع الرَّدَغة، وفتحها اللهُ على المسلمين فكانت أولَ حصنٍ فُتح قبل دمشق على ما سيأتي تفصيله.

وبعث أبو عبيدة جيشًا يكون بين دمشق وبين فلسطين، وبعث ذا الكلاع في جيش يكون بين دمشق وبين حمص ليرد من يرد إليهم من المدد من جهة هرقل. ثم سار أبو عبيدة من مرج الصُّفَّر قاصدًا دمشق، وقد جعل خالد بن الوليد في القلب، وركب أبو عبيدة وعمرو بن العاص في المجنبتين، وعلى الخيل عياض بن غَنْم، وعلى الرَّجَّالة شرحبيل بن حسنة، فقدموا دمشق وعليها نِسطاس بن نُسْطُوُرس (٧)، فنزل خالد بن الوليد على الباب الشرقي وإليه باب كيسان أيضًا، ونزل أبو عبيدة على باب الجابية (الكبير، ونزل يزيد بن أبي سفيان على باب الجابية) الصغير، ونزل عمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة على بقية أبواب البلد، ونصبوا المجانيق والدَّبابات، وقد أرصد أبو عبيدة أبا الدرداء على جيش ببرزة ردءًا


(١) تاريخ الطبري (٣/ ٤٣٦).
(٢) في ط: إذا.
(٣) في أ: كثيرة.
(٤) في ط: يحب وهي مهملة النقط في أ، وما هنا عن الطبري (٣/ ٤٣٨).
(٥) قال ياقوت في معجمه (٤/ ٢٣٧): اسم موضع بالشام، كانت فيه وقعة للمسلمين مع الروم، ويوم فحل مذكور في الفتوح، وأظنه عجميًا، لم أره في كلام العرب، قتل فيه ثمانون ألفًا من الروم، وكان بعد فتح دمشق بعام واحد. أما الطبري فقد صرفها في قوله: وزعم أن فحلًا كانت بعد دمشق. تاريخه (٣/ ٤٤١).
(٦) أرْدَغتِ الأرض: كثر رِداغُها. والرِّداغ جمع رَدغة وهي الماء والطين والوحل الشديد. القاموس (ردغ).
(٧) في أ: قسطاس بن بسطوس، وفي ط: نسطاس بن نُسْطُوس، وما هنا عن تاريخ الطبري (٣/ ٤٣٨) والضبط عنه.