للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو أمرتُكَ بقتلِ أبي مسلم؟ قال: فوَجَم ساعةً ثم قال له أبو أيوب: ما لَكَ لا تتكلَّم؟ فقال قولةً ضعيفة: أقتلُه. ثم اختار له من عيونِ الحرَس أربعةً، فحرَّضَهم على قتله، وقال لهم: كونوا من وراء الرُّوَاق، فإذا صفَّقتُ بيدي فاخرجوا عليه فاقتلوه. ثم أرسل المنصورُ إلى أبي مسلم رسلًا تَتْرَى يتبع بعضُهم بعضًا، فأقبل أبو مسلم فدخل دارَ الخلافة، ثم دخل على الخليفة وهو يبتسِم، فلمَّا وقف بين يديه جعل المنصورُ يعاتِبُهُ في الذي صنَعَ واحدةً واحدةً، فيعتذِرُ عن ذلك كلِّه، فيما كان اعتمدَهُ من الأمور التي تسَرَّعَ فيها، ثم قال: يا أمير المؤمنين، أرجو أن تكونَ نفسُكَ قد طابَتْ عليّ. فقال المنصور: أما واللّه ما زادَني هذا إلَّا غَيْظًا عليك. ثم ضرَبَ بإحدى يديه على الأخرى، فخرج عثمانُ وأصحابُه فضربوه بالسيوف حتَّى قتلوه ولفُّوهُ في عباءة، ثم أمَرَ بإلقائه في دِجْلَة، وكان آخرَ العَهْدِ به، وكان مقتَلُهُ في يومِ الأربعاء لأربع بَقِينَ من شعبان سنةَ سبعٍ وثلاثين ومئة. وكان من جُملة ما عاتبه به المنصور أن قال: كتبتَ إليَّ مرَّاتٍ تبدأ بنفسِك، وأرسلتَ تخطبُ عمَّتي أمينة، وثزعمُ أنك ابن سليط بن عبد اللَّه بن عباس إلى غيرِ ذلك. فقال أبو مسلم: يا أمير المؤمنين لا يُقال لي هذا وقد سعَيْتُ في أمرِكم بما عَلِمَهُ كلُّ أحد. فقال: وَيْلَك! لو قامَتْ في ذلك أمَةٌ سوداء لأتَمهُ اللَّه لجِدّنا وحَيْطَتِنا. ثم قال: واللّه لأقتلَنَّك. فقال: استبقِني يا أميرَ المؤمنين لأعدائك. فقال: وأيّ عدوٍّ لي أعدَى منك؛ ثم أمر بقتلِهِ كما تقدَّم. فقال له بعضُ الأمراء: يا أميرَ المؤمنين الآنَ صرتَ خليفة.

ويقال: إنَّ المنصور أنشدَ عندَ ذلك:

فألقَتْ عصاها واستقرَّ بِها النَّوَى … كما قَرَّ عينًا بالإيابِ المسافرُ

وذكر ابنُ خَلِّكان أنَّ المنصور لَمَّا أرادَ قتلَ أبي مسلم تحيَّرَ في أمره، هل يستشيرُ أحدًا في ذلك أو يستبدُّ هو لئلا يَشِيعَ وينتشر؟ ثم استشار واحدًا مَن نُصَحاء أصحابِه، فقال: يا أمير المؤمنين، قال اللَّه تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: ٢٢]. فقال له: لقد أودعتَها أُذُنًا واعية. ثم عزم على ذلك.

ترجمة أبي مسلم الخراساني (١)

هو عبدُ الرحمن بن مسلم أبو مسلم، صاحبُ دولةِ بني العباس، ويُقالُ له أميرُ آلِ بيتِ رسولِ اللَّه .


(١) ترجمته في تاريخ بغداد (١٠/ ٢٠٧)، تاريخ مدينة دمشق (٣٥/ ٤٠٨ و ٦٧/ ٢٢٤)، الكامل في التاريخ لابن الأثير (٤/ ٤٦١، و ٥/ ٢١)، وفيات الأعيان (٣/ ١٤٥)، المغني في الضعفاء (٢/ ٣٨٧)، المقتنى في سرد الكنى للذهبي (٢/ ٧٦)، ميزان الاعتدال (٤/ ٣١٧)، لسان الميزان (٣/ ٤٣٦)، نزهة الألباب في الألقاب لابن حجر (٢/ ٢٧٢)، النجوم الزاهرة (١/ ٣٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>