للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فتح السوس]

ثم ركب أبو سَبْرة في طائفة من الجيش ومعه أبو موسى الأشعري والنُّعمان بن مُقَرِّن، واستصحبوا معهم الهُرْمزان، وساروا في طلب المنهزمين من الفرس حتى نزلوا على السوس، فأحاطوا بها. وكتب أبو سَبْرة إلى عمر فجاء الكتاب بأن يرجعَ أبو موسى إلى البصرة، وأمر عمر ززَّ بن عبد الله بن كُلَيب الفُقَيْمي (١) - وهو صحابيٌّ - أن يسير إلى جُنْديسابُور. فسار. ثم بعث أبو سَبْرة بالخُمْس والهُرْمُزان (٢) مع وفدٍ فيهم أنسُ بن مالك والأحنفُ بن قيس، فلما اقتربوا من المدينة هيؤوا (٣) الهُرْمزان بلبسه الذي كان يَلبسه من الدّيباج والذَّهب المُكلل بالياقوت واللآلئ. ثم دخلوا المدينةَ وهو كذلك فتيمَّموا به منزلَ أمير المؤمنين، فسألوا عنه فقالوا: إنَّه ذهب إلى المسجد بسبب وفد من الكوفة. فجاؤوا المسجد فلم يَرَوْا أحدًا فرجعوا، فإذا غِلْمانٌ يلعبون فسألوهم عنه فقالوا: إنه نائمٌ في المسجد متوسدًا برنسًا له. فرجعوا إلى المسجد فإذا هو متوسد (٤) برنسًا له كان قد لبسه للوفد، فلما انصرفوا عنه توسَّد البرنس ونام، وليس في المسجد غيره، والدِّرَّة معلقةٌ في يده. فقال الهُرْمُزان: أين عمر؟ فقالوا: هو ذا. وجعل الناس يخفضون أصواتهم لِئَلا ينبهوه، وجعل الهُرْمزان يقول: وأين حُجَّابُهُ؟ أين حَرَسُهُ؟ فقالوا: ليس له حُجّابٌ ولا حَرسٌ، ولا كاتبٌ ولا ديوانٌ. فقال: ينبغي أن يكون نبيًا. فقالوا: بل يعملُ عمل الأنبياء. وكثر (٥) الناس فاستيقظ عمر بالجلبة فاستوى جالسًا، ثم نظر إلى الهُرْمُزان، فقال: الهُرمُزان؟ قالوا: نعم فتأمَّله وتأمَّلَ ما عليه ثم قال: أعوذُ بالله من النار وأستعين (٦) بالله. ثم قال: الحمدُ الله الذي أذلَّ بالإسلام هذا وأشياعَه، يا معشرَ المسلمين تمسّكوا بهذا الدين، واهتدوا بهدي نبيكم، ولا تبطرنكم الدنيا فإنها غَرَّارَة (٧). فقال له الوفد: هذا ملكُ الأهواز فكلِّمْهُ. فقال: لا حتى لا يبقى عليه من حليته شي ءٌ. ففعلوا ذلك وألبسوه ثوبًا صفيقًا (٨)، فقال عمر: يا هُرْمُزان كيف رأيت وبال الغدر وعاقبة أمر الله؟ فقال: يا عمرُ: إنا وإيّاكم في الجاهلية كان الله قد خلَّى بيننا وبينكم فغلبناكم، (إذ لم يكن معنا ولا معكم)، فلما كان معكم غلبتمونا. فقال عمر: إنما غلبتمونا في الجاهلية باجتماعكم وتفرّقنا. ثم


(١) في ط: العقيمي، تحريف.
وما هنا موافق لتاريخ الطبري (٤/ ٨٦).
(٢) في أ: وبالهرمزان.
(٣) في أ: بعثوا إلى الهرمزان.
(٤) في أ: يتوسط.
(٥) في أ: وكبر الناس.
(٦) في أ: واستغفر الله، وفي تاريخ الطبري: وأستعين الله.
(٧) في ط: غدارة، وما هنا عن أ وتاريخ الطبري.
(٨) في أ: مفتقًا.