للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمورٌ يطول ذِكرها بعد يوم البُوَيْب، وكانت هذه الواقعة بالعراق نظير اليرموك بالشام. وفد قال الأعْورُ الشَّنيُّ (١) العَبْدِيُّ في ذلك (٢): [من البسيط]

هاجَتْ لأعْورَ دارُ الحيِّ أحْزانا … واسْتَبْدَلَتْ بَعْدَ عَبْدِ القَيْسِ حَسَّانا (٣)

وَقَدْ أرانا بها والشَّمْلُ مُجْتمعٌ … إذ بالنُّخَيْلةِ قتْلَى جُنْدِ مِهْرانا

إِذْ كان (٤) سارَ المُثنَّى بالخيُولِ لهم … فَقتَّلَ الزَّحفَ من فُرْسٍ وجِيلانا

سَما لِمهرانَ والجيشِ الذي مَعهُ … حَتَّى أبادَهُمُ مَثنى وَوُحْدانا)

[فصل]

ثم بعثَ أميرُ المؤمنين عمرُ بن الخطّاب سعدَ بن أبي وقّاص الزهري أحدَ العشرة في ستة آلاف أميرًا على العراق، وكتب إلى جرير بن عبد الله والمُثَنى بن حارثة أن يكونا تبعًا له وأن يسمعا له ويُطيعا، فلما وصل إلى العراق كانا معه، وكان قد تنازعا الإمرةَ، فالمثنى يقول لجرير: إنما بعثكَ أميرُ المؤمنين مَددًا إليَّ. ويقول جرير (٥): إنما بعثني أميرًا عليكَ. فلما قدم سعد على إمارة (٦) العراق انقطع نزاعهما.

قال ابن إسحاق: وتوفي المثنى بن حارثة في هذه السنة (٧): كذا قال ابن إسحاق. والصحيح أن بعثَ عمر سعدًا إنّما كان في أول سنة أربع عشرة كما سيأتي.

ذكر اجتماع الفرس على يَزْدَجِرْد بعد اختلافهم

كان شيرين قد جمعَ آلَ كسرى في القصر الأبيض، وأمر بقتلِ ذُكرانه كلّهم، وكانت أم يزدجرد فيهم ومعها ابنها وهو صغير، فواعدت أخواله فجاؤوا وأخذوه منها، وذهبوا به إلى بلادهم، فلما وقع ما وقع يوم البُوَيْبِ وقُتل منْ قُتل منهم كما ذكرنا، وركب المسلمون أكتافَهُمْ وانتصروا عليهم وعلى أخذ بلدانهم، ومحالّهم وأقاليمهم. ثم سمعوا (بقدوم سعد بن أبي وقاص من جهة عمر)، اجتمعوا فيما بينهم وأحضروا الأميرين الكبيرين فيهم وهما رُسْتم والفيرزان فتذامروا (٨) فيما بينهم وتواصَوْا وقالوا لهما:


(١) الأعور الشني: هو بشر بن منقذ بن عبد القيس، أبو منقذ كان شاعرًا محسنًا وله ابنان شاعران، حبسه علي بن أبي طالب ثم خلّى عنه. الشعر والشعراء (٤٢٥ - ٤٢٦) ط. دار الكتب العلمية.
(٢) الأبيات في تاريخ الطبري (٣/ ٤٧١).
(٣) في تاريخ الطبري: خفانا.
(٤) في ط: إذا كان، ولا يستقيم بها الوزن، وفي تاريخ الطبري: أزمان.
(٥) في أ: وجرير يقول.
(٦) في ط: على أمر العراق.
(٧) أرخ خليفة بن خياط وفاة المثنى بن حارثة سنة أربع عشرة. تاريخه (١٢٩).
(٨) تذامروا: أي تلاوموا أو تحاضُّوا على القتال. اللسان (ذمر).