للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أرسل النّجاشيّ ذات يومٍ إلى جعفر بن أبي طالبٍ وأصحابه، فدخلوا عليه وهو في بيتٍ عليه خُلْقانُ ثيابٍ، جالسٌ على التراب، قال جعفرٌ: فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال، فلمّا أن رأى ما في وجوهنا قال: إنّي أبشّركم بما يسرّكم؛ إنّه جاءني من نحو أرضكم عينٌ لي، فأخبرني أنّ اللَّه قد نصر نبيّه، وأهلك عدوّه، وأُسر فلانٌ وفلانٌ، وقتل فلانٌ وفلانٌ، التقوا بوادٍ يقال له: بدرٌ. كثير الأراك، كأنّي أنظر إليه، كنت أرعى به (١) لسيّدي -رجلٍ من بني ضمرة- إبله. فقال له جعفرٌ: ما بالك جالسًا على التراب ليس تحتك بساطٌ، وعليك هذه الأخلاق (٢)؟ قال: إنّا نجد فيما أنزل اللَّه على عيسى: إنّ حقًّا على عباد اللَّه أنْ يحدثوا للَّه تواضعًا عندما يحدث لهم من نعمةٍ. فلمّا أحدث اللَّه لي نصر نبيّه ، أحدثت له هذا التواضع.

فصلٌ في وصول خبر مصاب أهل بدرٍ إلى أهاليهم بمكة

قال ابن إسحاق (٣): وكان أول من قدم مكة بمصاب قريشٍ الحيسمان بن عبد اللَّه الخزاعيّ، فقالوا له: ما وراءك؟ قال: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكَم بن هشامٍ، وأميّة بن خلفٍ، وزمعة بن الأسود، ونبيهٌ ومنبّهٌ، وأبو البختريّ بن هشامٍ. فلمّا جعل يعدّد أشراف قريشٍ، قال صفوان ابن أميّة: واللَّه إن يعقل هذا، فسلوه عنّي. فقالوا: ما فعل صفوان بن أميّة؟ قال: هو ذاك جالسًا في الحجر، قد واللَّه رأيت أباه وأخاه حين قتلا.

قال موسى بن عقبة: ولما وصل الخبر إلى أهل مكة وتحقّقوه قطّعت النساء شعورهنّ، وعقرت خيولٌ كثيرةٌ ورواحل.

وذكر السّهيليّ (٤) عن كتاب "الدلائل" لقاسم بن ثابتٍ أنّه قال: لما كانت وقعة بدرٍ سمع أهل مكة هاتفًا من الجن يقول: [من الطويل]

أزار الحنيفيّون بدرًا وقيعةً … سينقضّ منها ركن كسرى وقيصرا

أبادت رجالًا من لؤيٍّ وأبرزت … خرائد يضربن الترائب حسّرا

فيا ويح من أمسى عدوّ محمدٍ … لقد جار عن قصد الهدى وتحيّرا


(١) سقط من: (ط).
(٢) في (أ) و (ط): "الأخلاط" وما أثبته هو الصواب، والأخلاق: جمع الخلَق، وهو البالي من الثياب.
(٣) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٤٦).
(٤) انظر "الروض الأنف" (٥/ ٢٢٤ - ٢٢٥).