للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قائلًا ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ﴾ أي: هذا الذي تطلبونه وتريدونه، بدل هذه النعم التي أنتم فيها، حاصلٌ (١) لأهل الأمصار الصغار والكبار، موجودٌ بها، وإذا هبطتم إليها، أي: ونزلتم عن هذه المرتبة التي لا تصلحون لمنصبها، تجدون بها ما تشتهون وما ترومون مما ذكرتم من المآكل الدَّنِيَّةِ والأغذية الرديّة، ولكني لست أجيبكم إلى سؤال ذلك هاهنا، ولا أبلّغكم ما تعنتم به من المنى، وكل هذه الصفات المذكورة عنهم الصادرة منهم تدلّ على أنّهم لم ينتهوا عما نهوا عنه، كما قال اللّه تعالى ﴿وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى﴾ [طه: ٨١] أي: فقد هلك، وحُقّ له - واللّه - الهلاكُ والدمار. وقد حلّ عليه غضب الملك الجبّار، ولكنه تعالى مزج هذا الوعيد الشديد بالرجاء لمن أنابَ وتاب، ولم يستمر على متابعة الشيطان المريد، فقال: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: ٨٢].

* * *

سؤال الرُّؤية

قال تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (١٤٢) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (١٤٣) قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالآتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (١٤٥) سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (١٤٦) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٤٢ - ١٤٧].

قال جماعةٌ من السّلَف، منهم ابن عباس ومَسْروقٌ ومجاهد (٢): الثلاثون ليلةً: هي شهر ذي القعدة بكماله، وأُتِمَّت أربعين ليلةً بعشر ذي الحجة، فعلى هذا يكون كلام اللّه له يوم عيد النّحر، وفي مثله أكمل اللّه ﷿ لمحمد دينه، وأقام حججه وبراهينه.

والمقصود أنّ موسى لما استكمل الميقات وكان فيه صائمًا، يقال: إنّه لم يستطعم


(١) في ب: بل هذه النعم التي أنتم تطلبونها حاصلة لأهل …
(٢) جمع هذه الأقوال الطبري في تفسيره (٩/ ٣٢ - ٣٣).