للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر خبر المائدة]

قال الله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (١١٣) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة: ١١٢ - ١١٥].

قد ذكرنا في "التفسير" (١) الآثار الواردة في نزول المائدة عن ابن عباس، وسلمان الفارسي، وعمار بن ياسر، وغيرهم من السّلف. ومضمون ذلك أن عيسى أمر الحواريّين بصيام ثلاثين يومًا، فلما أتمّوها سألوا من عيسى إنزال مائدة من السماء عليهم ليأكلوا منها، وتطمئن بذلك قلوبهم أنَّ الله قد تقتل صيامهم وأجابهم إلى طلبتهم، وتكون لهم عيدًا يفطرون عليها يوم فطرهم، وتكون كافية لأولهم وآخرهم، لغنيِّهم وفقيرهم. فوعظهم عيسى في ذلك، وخاف عليهم أن لا يقوموا بشكرها ولا يؤدوا حقّ شروطها، فأبوا عليه إلّا أن يسأل لهم ذلك من ربّه ﷿. فلما لم يقلعوا عن ذلك قام إلى مُصَلاّه، ولبس مسحًا من شعر، وصفّ بين قدميه، وأطرقَ رأسه، وأسبل عينيه بالبكاء، وتضرّع إلى الله في الدعاء والسؤال أن يجابوا إلى ما طلبوا، فأنزل الله تعالى المائدة من السماء والناس ينظرون إليها تتحدر بين غمامتينِ، وجعلت تدنو قليلًا قليلا، وكلّما دنت سأل عيسى ربَّه ﷿ أن يجعلها رحمةً لا نقْمةً، وأن يجعلها بركة وسلامة، فلم تزل تدنو حتى استقرت بين يدي عيسى وهي مُغَطّاة بمنديل، فقام عيسى فكشف عنها وهو يقول: (بسم الله خير الرازقين)، فإذا عليها سبعة من الحيتان، وسبعة أرغفة. وبُقُول وخلّ. ويُقال: ورمان وثمار، ولها رائحةٌ عظيمة جدًا، قال الله لها: كوني، فكانت. ثمّ أمرهم بالأكل منها، فقالوا: لا نأكل حتى تأكل، فقال: إنكم الذين ابتدأتم السؤال لها، فأبوا أن يأكلوا منها ابتداءً، فأمر الفقراءَ والمحاويج والمرضى والزَّمْنَى (٢)، وكانوا قريبًا من ألف وثلاثمئة، فأكلوا منها، فَبَرئ كلُّ مَنْ به عاهة أو آفة أو مرض مزمن، فندم الناس على ترك الأكل منها لما رأوا من إصلاح حال أولئك. ثمّ قيل: إنها كانت تنزل كلّ يوم مرّة، فيأكل الناس منها، يأكل آخرهم كما يأكل أولهم، حتى قيل: إنها كان يأكل منها نحو سبعة آلاف. ثم كانت تنزل يومًا بعد يوم، كما كانت


(١) تفسير ابن كثير (٢/ ١١٦)، وفي تفسير الطبري (٧/ ٨٤ - ٨٥). ومختصر تاريخ دمشق (٢٠/ ١٠٦) وما بعدها.
(٢) في ب: والناس. والزمنى: المبتلون.