للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويصطفى، فقد سمَّاه خِيرتَهُ من الأعمال وخيرته (١) من العباد، والصالح من الحديث ومن كلِّ ما أُوتي الناسُ من الحلال والحرام، فاعبدوا اللَّه ولا تشركوا به شيئًا، واتقوه حقَّ تقاته، واصْدُقوا اللَّه صالحَ ما تقولون بأفواهِكم وتحابُّوا بروحِ اللَّه بينكم إنَّ اللَّه يغضَبُ أن يُنكَثَ عهدُه، والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته".

وهذه الطريق أيضًا مرسلة إلا أنها مقوِّيةٌ لما قبلها وإن اختلفتِ الألفاظ.

[فصل في بناء مسجده الشريف في مدة مقامة عليه [الصلاة] والسلام بدار أبي أيوب ]

وقد اختُلف في مدة مقامه بها، فقال الواقدي: سبعة أشهر، وقال غيره: أقلّ من شهر. واللَّه أعلم.

قال البخاري (٢): حدثنا إسحاق بن منصور، أخبرنا عبدُ الصمد قال: سمعتُ أبي يحدِّث فقال: حدثنا أبو التَّيَّاح يزيد بن حُميد الضُّبَعي (٣)، حدثنا أنس بن مالك، قال: لما قدم رسولُ اللَّه المدينة نزلَ في عُلْوِ المدينة، في حيٍّ يقال لهم: بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربعَ عشرةَ ليلةً، ثم أرسلَ إلى ملأ بني النجَّار فجاؤوا متقلِّدي سيوفهم، قال: وكأنِّي أنظرُ إلى رسولِ اللَّه على راحلته وأبو بكر رِدْفَه، ومَلأ بني النجَّارِ حولَه، حتى ألْقَى (٤) بفناءِ أبي أيوب، قال: فكان يصلِّي حيثُ أدركَتْه الصلاة، ويصلِّي في مرابضِ الغنم. قال: ثم إنه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى مَلأ بني النجَّار، فجاؤوا فقال: "يا بني النجَّار ثامنوني بحائطِكم هذا (٥) " فقالوا: لا واللَّه لا نطلبُ ثمنَهُ إلا إلى اللَّه. قال: فكان فيه ما أقولُ لكم، كانت فيه قبورُ المشركين، وكانت فيه خِرَبٌ، وكان فيه نخل، فأمر رسولُ اللَّه بقبور المشركين فنُبشتْ، وبالخِرَبِ فسُوِّيتْ، وبالنخل فقُطِع. قال: فصفُّوا النخلَ قبلةَ المسجد، وجعلوا عِضَادَتَيْهِ حجارة. قال: فجعلوا ينقلُون ذلك الصخر وهم يرتجزون، ورسولُ اللَّه معهم يقول (٦): اللهمَّ إنه لا خيرَ إلا خَيْرُ الآخرة، فانصرِ الأنصارَ والمهاجرة.


(١) في الدلائل والسيرة: ومصطفاه من العباد.
(٢) فتح الباري (٣٩٣٢) مناقب الأنصار باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة.
(٣) في ط: الضبي. تصحيف، والمثبت من ح والبخاري في الفتح.
(٤) قال ابن حجر في الفتح (٧/ ٢٦٦): ألقى: أي نزل، أو المراد ألقى رحله.
(٥) "ثامنوني": أي قرروا معي ثمنه، أو ساوموني بثمنه، تقول: ثامنت الرجل في كذا، إذا ساومته. فتح الباري (٧/ ٢٦٦).
(٦) في الفتح: ورسول اللَّه معهم يقولون: وكتب قولهم في البخاري كما يكتب الشعر في شطرين. وفي رواية أخرى وهي الآتي ذكرها:
اللهمَّ لا خير إلا خير الآخرة … فاغفر للأنصار والمهاجره
وانظر قول ابن هشام ص (٤٩٢ ح ٢).