للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما احتُضِرَ الواثق جعلَ يردِّد هذين البيتين (١):

المَوْتُ فيهِ جَميعُ الخَلْقِ مشترِكٌ … لا سُوقَةٌ مِنْهُمُ يَبْقَى ولا مَلِكُ

ما ضَرَّ أهلَ قليلٍ في تفاقُرِهمْ … وليسَ يُغني عن الأمْلاكِ ما مَلَكُوا

ثم أمر بالبُسُطِ فطُويت، ثم ألْصَقَ خدَّهُ بالأرض، وجعل يقول: يا مَن لا يَزُول ملكُه، ارْحَمْ مَن قد زالَ مُلْكُهُ.

وقال بعضهِم: لما احتُضِرَ الواثق ونحن حولَه، غشي عليه، فقال بعضُنا لبعض: انظروا هل قضى نحبه؟ قال: فدنَوْتُ من بينهم إليه لأنظرَ هَلْ هدأ نَفَسُه، فأفاق فَلَحَظَ إليَّ بعينه، فرجعْتُ القَهْقَرى خوفًا منه، فتعلَّقَتْ قائمة سيفي بشيء، فكدت أن أهلك، فما كان عن قريب حتى مات، وأُغلِقَ عليه الباب الذي هو فيه، وبقي فيه وحدَه، واشتغَلُوا عن تجهيزه بالبيعة لأخيه جعفر المتوكل، وجلسْتُ أنا أحرُسُ البابَ، فسمعْتُ حركةً من داخل البيت، فدخلْتُ، فإذا جُرَذٌ قد أكل عينَه التي لَحَظَ إليَّ بها، وما كان بين الحالين إلا اليسير (٢).

وكانت وفاته بسرَّ مَن رأى التي كان يسكنها في القصر الهاروني، في يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة من هذه السنة -أعني سنة ثنتين وثلاثين ومئتين- عن ست وثلاثين سنة، وقيل: عن ثنتين وثلاثين سنة. وكانت مدة خلافته خمسَ سنين، وتسعةَ أشهرٍ، وخمسة أيام. وقيل: خمس سنين، وشهران، وأحد وعشرون يومًا، وصلَّى عليه أخوه جعفر المتوكِّل.

خلافة المتوكِّل على اللَّه جعفر بن المعتصم باللَّه

بُويع له بالخلافة بعد أخيه الواثق هارون، وكانت بيعته وقت زوال الشمس من يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة، وكانت الأتراك قد عزموا على تولية محمد بن الواثق فاستصغروه فتركوه وعدلوا إلى جعفر هذا، وكان عمره إذ ذاك ستًا وعشرين سنة، وكان الذي ألبسه خلعة الخلافة أحمد بن أبي دواد القاضي، وهو أوَّلُ من سلَّم عليه بالخلافة، وبايعه الخاصّة ثمّ العامّة. وكانوا قد اتفقوا على تسميته بالمنتصر إلى صبيحة يوم الجمعة، فقال أحمد بن أبي دواد: رأيت أن يلقَّبَ أمير المؤمنين بالمتوكِّل على اللَّه، فاتفقوا على ذلك، وكتب به إلى الآفاق، وأمر بإعطاء الشاكريّة من الجند ثمانية شهور، وللمغاربة أربعة شهور، ولغيرهم ثلاثة شهور، واستبشر الناس به.


(١) تاريخ بغداد (١٤/ ١٩)، الكامل لابن الأثير (٧/ ٢٩)، سير أعلام النبلاء (١٠/ ٣١٣).
(٢) تاريخ بغداد (١٤/ ١٩)، الكامل لابن الأثير (٧/ ٣٠)، سير أعلام النبلاء (١٠/ ٣١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>