للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتوفي وهو عنه راضٍ، وصحب عمر فأحسنَ صحبتَهُ وتوفي وهو عنه راضٍ. ونصَّ عليه في أهل الشورى الستة، فكان خيرَهم كما سيأتي.

فولي الخلافة بعده ففتح اللّه على يديه كثيرًا من الأقاليم والأمصار، وتوسعت المملكة الإسلامية، وامتدت الدولة المحمدية، وبلغت الرسالة المصطفوية في مشارق الأرض ومغاربها، وظهر للناس مصداق قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [النور: ٥٥] وقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: ٣٣] وقوله : "إن الله زوى لي مشارق الأرض ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها" (١) وقوله : "إذا هلكَ قيصرٌ فلا قيصرَ بعده، وإذا هلكَ كسرى فلا كسرى بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله" (٢) وهذا كله تحقَّق وقوعه وتأكَّدَ وتوطَّد في زمان عثمان .

وقد كان حسنَ الشكل، مليحَ الوجه، كريمَ الأخلاق، ذا حياءٍ كثير، وكرمٍ غزيرٍ، يُؤْثرُ أهلَه وأقاربَه (٣) في الله، تأليفًا لقلوبهم من مَتاعِ الحياةِ الدُّنيا الفاني، لعله يرغِّبهم في إيثار ما يبقى على ما يفنى، كما كان النبي يُعطي أقوامًا ويدعُ آخرين، يعطي أقوامًا خشيةَ أن يَكبَّهُمْ اللّهُ على وجوههم في النار، وَيَكلُ آخرين إلى ما جَعلَ اللهُ في قلوبهم من الهُدى والإيمان، وقد تَعنَّتَ عليه بسب هذه الخصلة أقوامٌ، كما تَعنَّتَ بعضُ الخوارج على رسول الله في الإيثار. وقد قدمنا ذلك في غزوة حُنين حيث قسم غنائمها. وقد وردت أحاديثُ كثيرةٌ في فضل عثمان نذكر ما تيسر منها إن شاء الله وبه الثقة وهي قسمان:

[الأول: فيما ورد في فضائله مع غيره]

فمن ذلك الحديثُ الذي رواه البخاريّ في صحيحه (٤): حدَّثنا مُسدد، حدَّثنا يحيى بن سعيد، عن سعيد، عن قتادة أن أنسًا (٥) حدَّثهم قال:

"صعدَ النبيُّ أُحدًا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجفَ فقال: اسكن أحد -أظنُّه ضربَه برجله- فليس عليك إلَّا نبيٌّ وصدِّيقٌ وشهيدان" تفرد (٦) به دون مسلم.


(١) قطعة من حديث رواه ثوبان، أخرجه مسلم في صحيحه رقم (٢٨٨٩) في الفتن، وابن حبان في صحيحه رقم (٦٧١٤) في التاريخ.
(٢) الحديث عن أبي هريرة أخرجه أحمد في مسنده (٢/ ٢٤٠) ومسلم في صحيحه (٢٩١٨) (٧٥) في الفتن.
(٣) في أ: يؤثر أقاربه وأهله.
(٤) صحيح البخاري (٣٦٩٩) في فضائل الصحابة.
(٥) في ط: إنسانًا؛ خطأ.
(٦) في أ: انفرد.