للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل في ذكر أول من أسلم من متقدِّمي الإسلام من الصحابة

قال ابن إسحاق (١): ثم إنَّ عليَّ بن أبي طالب جاء بعد ذلك بيوم وهم (٢) يصلِّيان، فقال علي: يا محمد ما هذا؟ قال: "دينُ الله الذي اصطفى لنفسه، وبعث به رُسُلَه، فأدعوكَ إلى الله وحده لا شريك له، وإلى عبادته وكفرٍ باللاتِ والعُزَّى" فقال علي: هذا أمْرٌ لم أسمعْ به قبل اليوم، فلستُ بقاضٍ أمرًا حتى أحدِّث به أبا طالب. فكره رسولُ الله أنْ يُفشيَ عليه سرَّهُ قبل أن يستعلن أمْرُه. فقال له: "يا علي، إذ لم تُسْلِم (٣) فاكتُمْ". فمكث عليٌّ تلك الليلة، ثمَّ إنَّ الله أوقع في قلب عليٍّ الإسلامَ، فأصبح غاديًا إلى رسولِ الله حتى جاءه فقال: ماذا عرضتَ عليَّ يا محمد؟ فقال له رسول الله : "تشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وتكفر باللاتِ والعُزَّى، وتبرأُ من الأنداد" ففعل عليٌّ وأسلم، ومكث يأتيه على خوفٍ من أبي طالب، وكتم عليٌّ إسلامه ولم يظهره.

وأسلم ابنُ حارثة -يعني زيدًا- فمكثا (٤) قريبًا من شهر يختلف عليٌّ إلى رسول الله ، وكان مما أنعم الله به على عليّ أنه كان في حَجْر رسولِ الله قبل الإسلام.

قال ابن إسحاق (٥): حدَّثني ابنُ أبي نَجيح، عن مجاهد، قال: وكان من نعمة الله على عليّ أنَّ قريشًا أصابتهم أزْمةٌ شديدة، وكان أبو طالب ذا عيالٍ كثيرة (٦)، فقال رسول الله لعمه العباس -وكان من أيسر بني هاشم-: "يا عباس، إنَّ أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناسَ ما ترى من هذه الأزْمة، فانطلقْ حتى نخفِّفَ عنه من عياله" فأخذ رسولُ الله عليًّا فضمَّهُ إليه، فلم يزلْ مع رسول الله حتى بعثه الله نبيًا، فاتَّبَعَهُ عليٌّ وآمن به وصدَّقه.

وقال يونس بن بُكير، عن محمد بن إسحاق (٧): حدّثني يحيى بن أبي الأشعث الكندي -من أهل الكوفة- حدّثني إسماعيلُ بن إياس بن عفيف، عن أبيه، عن جدِّه عفيف -وكان عفيف أخا الأشعث بن


(١) سيرة ابن إسحاق (ص ١٣٧).
(٢) كذا في ح، وفي ط: وهما، وعند ابن إسحاق: بيومين فوجدهما. وهو أشبه بالصواب.
(٣) جاء في حاشية ط ما نصه: في المصرية: إذ لم تسمع فاكتم. قلت: وما هو مثبت من ح وسيرة ابن إسحاق.
(٤) كذا في ح، ط وفي سيرة ابن إسحاق: فمكث. وهو أشبه بالصواب.
(٥) سيرة ابن هشام (١/ ٢٤٦) والروض (١/ ٢٨٥) بأوعب مما هنا.
(٦) في السيرة والروض: كثير.
(٧) في سير ابن إسحاق (ص ١٣٧) وما يأتي بين معقوفين منه، وساقه الذهبي في الميزان (١/ ٢٢٣) وروى نحوه سعيد بن خثيم الهلالي بسنده إلى إسماعيل ولم يصححهما البخاري قاله الذهبي.