للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلافةُ المستكفي باللّه أبي القاسم عبد اللّه بن المكتفي بن المعتضد

لما رجع توزون إلى بغداد وقد خلع المتقي للّه وسمله، استدعى بعبد اللّه بن المكتفي، فبايعه على الخلافة، ولقب بالمسكتفي باللّه، وذلك في العَشْر الأواخر من صفر من هذه السنة، وجلس توزون بين يديه، وخلع عليه المستكفي خِلْعة سنية، وكان المستكفي مليحَ الشكل، رَبْعَةً، حسنَ الجِسْم والوجه، أبيضَ اللون مشربًا، أكحل، أقنى الأنف، خفيفَ العارضين، وعمره يوم بويع بالخلافة إحدى وأربعون سنة. وأُحضر المتقي بين يديه، وبايعه، وأخذ منه البُرْدة والقضيب، واستوزر أبا الفرج محمد بن علي السَّامري، ولم يكن إليه من الأمر شيء، وإنما الذي يتولى الأمور ابن شيرزاد، وحُبس المتقي بالسجن. وطلب المستكفي أبا القاسم الفَضْل بن المقتدر، وهو الذي ولي الخلافة بعد ذلك، ولقِّب المطيع للّه (١)؛ فاختفى منه ولم يظهر مدة خلافة المستكفي، فأمر المستكفي بهدم داره التي عند دِجْلة.

[موت القائم الفاطمي وولاية ولده المنصور]

وفي رمضان من هذه السنة - والصحيح في شوال من التي بعدها (٢) - توفي القائم بأمر اللّه أبو القاسم بن المهدي، وقد عهد بالأمر من بعده لولده المنصور إسماعيل، فكتم موت أبيه مُدَّة حتى أتقن (٣) أمره ثم أظهره.

وقد كان أبو يزيد الخارجي قد حاربهم في هذه السنة، وأخذ منهم مُدُنًا كبارًا، وكسروه مرارًا متعددة، ثم يثور عليهم، ويجمع الرِّجال ويقاتلهم بمن قدر عليه، فانتدب المنصور لقتال أبي يزيد بنفسه، وركب في الجيوش، وجرت بينهما حروبٌ يطول ذكرُها، وقد بسطها ابن الأثير في "كامله" (٤). وقد انهزم في بعض الأحيان جيش المنصور عنه ولم يبق إِلَّا في عشرين نفسًا، فقاتل بنفسه قتالًا عظيمًا، فهزم أبا يزيد بعدما كاد يقتله، وثبت المنصور ثباتًا عظيمًا، فعظُم في أعين الناس، وزادت حرمته وهيبتُه، واستنقذ بلاد القيروان منه، وما زال يحاربه المنصور حتى ظفر به وقتله، ولما جيء برأسه سَجدَ شكر اللّه ﷿.

وكان أبو يزيد هذا قبيحَ الشكل، أعرجَ، قصيرًا، خارجيًا شديدًا، يرى تكفير أهل المِلَّة، قبحه اللّه في الدنيا والآخرة.


(١) سيأتي ذلك في حوادث سنة (٣٣٤ هـ).
(٢) انظر حوادث سنة (٣٣٤ هـ).
(٣) في (ب) و (ظا): استقر، وفي (ط): اتفق.
(٤) انظر الكامل (٨/ ٤٢٢ - ٤٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>