للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على فؤاده، فهو كذلك أبداً، فذلك قوله: ﴿نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ﴾ [الهمزة: ٦ - ٧] " وقد تركنا إيراد آياتٍ كثيرة خوفَ الإطالة، وفيما ذكرنا إرشادٌ إلى ما تركنا، وبالله المستعان، وستأتي الأحاديثُ الوَاردةُ في صفة جَهنَّم، أجارنا الله منها آمين، مرتّبة على ترتيبٍ حسن، وبالله التوفيق.

وقال ابن المبارك: أنبأنا مَعْمرٌ، عن محمد بن المُنْكَدرِ، قال: لما خُلِقت النّارُ فَزِعت الملائكة، وطارت أفئدتها، فلمّا خَلقَ الله آدمَ سكن ذلك عنهم، وذهب ما كانوا يجدون.

وقال ابنُ المُبارك: حدّثنا محمد بنُ مُطَرِّف، عن الثِّقة: أنّ فَتى من الأنْصارِ داخَلَتْهُ خَشْيةٌ من النَّارِ، فكان يبكي عند ذكر النار، حتَّى حَبَسهُ ذلك في البيت عن شهود في المسجد، فذُكِرَ ذلك للنبيّ ، فجاءه إلى البيت، فلمّا دخلَ نَبيُّ الله اعْتَنقهُ الفَتَى، وخَرَّ مَيِّتاً، فقال رسول الله : "جَهِّزوا صَاحِبَكُمْ، فإنَّ الفَرَقَ من النار فَلَقَ كبِدَه" (١).

قال القرطبي: رُويَ أنَّ عيسى مَرَّ بأربعةِ آلافِ امرأةٍ مُتَغَيِّرات الألوان، وعليهنَّ مَدارعُ الشَّعْرِ والصُّوفِ، فقال لَهُنَّ عيسى : ما الذي غَيّر ألْوَانَكُنَّ معاشِرَ النِّسْوَةِ؟ قلن: ذِكْرُ النَّارِ هو الذي غَيَّر ألواننا يا ابن مريم، إنّ منْ دَخَلَ النار لا يذوق فيها بَرْداً ولا شَرَاباً. ذكره الخرائطي في كتاب "القبور" (٢).

ورُوي أن سَلْمان الفَارسيَّ لمّا سَمِعَ قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ﴾ [الحجر ٤٣ - ٤٤] فرَّ ثَلاثةَ اْيامٍ هارباً من الخوف، لا يَعْقلُ، فجيء به إلى النبىّ ، فقال: يا رسول الله، أُنزِلتْ هذه الآيةُ ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣)﴾ فوالذي بعثك بالحقّ لقد قَطعَتْ قَلبي، فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ … ﴾ الآية [الحجر: ٤٥ - ٤٦]. ذكره الثعلبيّ.

[ذكر جهنم وشدة سوادها أجارنا الله منها]

قال اللّه تعالى: ﴿وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ [التوبة: ٨١] وقال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (٩) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (١٠) نَارٌ حَامِيَةٌ﴾ [القارعة: ٨ - ١١]. وقال تعالى: ﴿تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥)[الغاشية: ٥] وقال تعالى: ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ … يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾ [الرحمن: ٤٣ - ٤٤] أي حارّ قد تَناهَى حَرُّه، وبَلَغَ الغَايَةَ في الحرارة. وقال تعالى: ﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ


(١) رواه ابن المبارك في "الزهد" (٣٢٠ - زوائد نعيم) وإسناده ضعيف.
(٢) في (آ): النشور.

<<  <  ج: ص:  >  >>