في ربيع الأوّل وقع بَرَدٌ أهلك شيئًا كثيرًا من الزروع والثمار، وقتل خلقًا كثيرًا من الغَنم والوحوش.
قال ابن الجوزي (١): وقد قيل: إنَّه كان في كلّ بردة رطلان وأكثر، وفي واسط بلغت البردة أرطالًا، وفي بغداد [بلغت] بقدر البيض.
وفي ربيع الآخر سألت الإسفهسلارية والغلمان من الخليفة أن يعزل عنهم أبا كاليجار لتهاونه بأمرهم [وفساده]، وفساد الأمور في أيامه، ويولي عليهم جلال الدَّولة الذي كانوا قد عدلوا عنه أوّل مرة، فماطلهم الخليفة في ذلك، وكتب إلى أبي كاليجار أن يتدارك أمره، وأن يسرع الأوبة إلى بغداد، قبل أن يفوت الأمر، وألحّ أولئك على الخليفة في جلال الدولة، وأقاموا له الخطبة ببغداد، وتفاقم الحال، وفسد النظام.
وفي هذه السنة ورد كتاب من يمين الدولة محمود بن سُبُكْتِكين، أنَّه دخل بلاد الهند أيضًا، وأنَّه كسر الصنم الأعظم الذي لهم، المسمّى بسومنات، وقد كانوا يفدون إليه من كلِّ فجٍّ عميق، ويُنْفِقُون عنده من الأموال شيئًا كثيرًا جدًا، وكان عليه من الأوقاف عشرة آلاف قرية مشهورة، وقد امتلأت خزائنه أموالًا، وعنده ألف رجل يخدمونه وثلاثمئة يحلقون [رؤوس] حجيجه، وثلاثمئة وخمسون يغنّون ويرقصون على باب الصنم، [كما يُضرب على بابه الطبولُ والبوقات، وكان عنده من المجاورين ألوف يأكلون من أوقافه، وكان البعيد من الهنود يتمنى لو بلغ هذا الصَّنم]، وقد كان العبد، يعني الملك محمود بن سُبُكْتكين، يتمنى قلع هذا الصنم، وكان يعوقه عنه طول المفاوز، وكثرة الموانع، ثمّ استخار اللَّه تعالى، وتجشّم بجيشه تلك الأهوال إليه في ثلاثين ألفًا ممن اختارهم سوى المُطَّوِّعة، فسلّم اللَّه تعالى، حتى انتهينا إلى بلد هذا الوثن، [ونزلنا بساحة عباده فإذا هو مكان قدر المدينة العظيمة، فما كان أسرع أن] ملكناه، وقتلنا من أهله خمسين ألفًا، وقلعنا هذا الوثن، وأوقدنا تحته النّار، وللَّه الحمد.
وقد ذكر غير واحد أنَّ الهنود بذلوا أموالًا جزيلة للملك محمود بن سُبُكْتِكين ليترك لهم هذا الصَّنم الأعظم، فأشار من أشار من الأمراء بقبول تلك الأموال الجزيلة، فقال: حتى أستخير اللَّه تعالى، فلمّا أصبح قال: إني فكرت في هذا الأمر، فرأيت أنّه إذا نوديت يوم القيامة فيقال: أين محمود الذي كسر الصَّنم، أحبُّ إليَّ من أن يقال: أين محمود الذي ترك الصنم [لأجل ما يناله من الدنيا؟] ثمّ عزم فكسره