للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سمع النجَّاد، والخُلْدي، وابن السمَّاك، وغيرهم، وكان صدوقًا فاضلًا، حسن الاعتقاد، وتفرّد بأسانيد القِراءات وعلوها. توفي في شعبان من هذه السنة عن تسع وثمانين سنة.

صاعد بن الحسن بن عيسى الرَّبَعي البغدادي اللُّغوي (١).

صاحب كتاب "الفصوص في اللغة" على طريقة القالي في الأمالي، صنّفه للمنصور بن أبي عامر، فأجازه عليه خمسة آلاف دينار، ثمّ قيل له: إنّه كذابٌ متَّهم فيما ينقله، فأمر بإلقاء الكتاب في نهرٍ؛ فقال له في ذلك بعض الشعراء:

قَدْ غَاصَ في البَحْرِ كِتَابُ الفُصُوص … وَهَكَذا كُلُّ ثَقيلٍ يَغُوص

فلمّا بلغ صاعدًا هذا البيت قال:

عادَ إلى عنصرِهِ ولهما … يخرُجُ من قعرِ البحورِ الفصوص

قلتُ: كأنه سمى هذا الكتاب بهذا الاسم ليشاكل به "الصحاح" للجوهري، لكنه كان مع فضيلته وبلاغته، وعلمه، متَّهمًا بالكذب يما يرويه وينقله، فلهذا رفض الناس كتابه ولم يشتهر بينهم، وقد كان ظريفًا، ماجنًا، سريع الجواب، سأله رجل أعمى على سبيل التهكُّم بحضرة جماعة فقال له: ما الجرنفل؟ فأطرق ساعة، وعرف أنَّه افتعل هذه اللَّفظة، ثمّ رفع رأسه فقال: هو الذي يأتي نساء العميان لا يتعداهنّ إلى غيرهنّ؛ فاستحيا ذلك الأعمى، وضحك الحاضرون، وقد كانت وفاته في هذه السنة.

القَفَّال المَرْوَزي (٢) هو أبو بكر عبد اللَّه بن أحمد بن عبد اللَّه القَفّال.

أحد أئمّة الشافعية الكبار علمًا، وزهدًا، وحفظًا، وتصنيفًا، وورعًا، وإليه تُنْسَبُ الطريقة الخُراسانية، ومن أصحابه الشيخ أبو محمد الجويني، والقاضي حسين، وأبو علي السِّنْجيّ.

قال ابن خلِّكان: وأخذ عنه إمام الحرمين، وفيما قاله نظر، لأنّ سِنّ إمام الحرمين لا يحتمل ذلك، فإن هذا القفّال توفي في هذه السنة وله تسعون سنة، ودفن بسجستان، وإمامُ الحرمين وُلدَ سنة تسع عشرة وأربعمئة، بعد وفاة القفال بسنتين، ومات سنة ثمان وسبعين كما سيأتي، وإنما قيل له: القفّال لأنَّه كان يعمل الأقفال، ولم يشتغل إلا وهو ابن ثلاثين سنة، ثمّ أقبل على الاشتغال بعد ذلك، رحمه اللَّه تعالى.


(١) وفيات الأعيان (٣/ ٤٨٨)، جذوة المقتبس (٢٢٣)، نفح الطيب (٣/ ٧٥).
(٢) وفيات الأعيان (٣/ ٤٦)، سير أعلام النبلاء (١٧/ ٤٠٥)، طبقات السبكي (٥/ ٥٣)، النجوم الزاهرة (٤/ ٢٦٥)، شذرات الذهب (٣/ ٢٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>