للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم سار الأحنف من مرو الرّوذ إلى بلخ فحاصرهم حتى صالحوه على أربعئمة ألف واستناب (١) ابن عمه أسيد بن المُتَشمِّس (٢) على قبض المال، ثم ارتحل يُريد الجهادَ، وداهمه الشتاء فقال لأصحابه: ما تشاؤون؟ فقالوا: قد قال عمرو بن معدي كرب (٣): [من الوافر]

إذا لم تَسْتَطعْ شَيْئًا فَدَعْهُ … وجَاوِزْهُ إلى ما تستَطيعُ

فأمر الأحنف بالرَّحيل إلى بلخ فأقام بها مدة الشتاء، ثم عاد إلى [ابن] عامر فقيل لابن عامر: ما فتح على أحد ما فتح عليك، فارس وكرمان وسجستان وعامة خراسان، فقال: لا جرمَ، لأجعلنَّ شُكْري لله على ذلك أن أحرم بعمرةٍ من موقفي هذا مُشمِّرًا فأحرمَ بعمرة من نيسابور، فلما قدم على عثمان لامه على إحرامه من خراسان.

وفيها أقبل قارن في أربعين ألفًا فالتقاه عبد الله بن حازم في أربعة آلاف، وجعل لهم مقدمة ستمئة رجل، وأمر كلًا منهم أن يحمل على رأس رمحه نارًا، وأقبلوا إليهم في وسط الليل فبيتوهم فثاروا إليهم فناوشتهم المقدمة فاشتغلوا بهم، وأقبل عبد الله بن حازم بمن معه من المسلمين فاتفقوا هم وإياهم، فولى المشركون مدبرين، واتبعهم المسلمون يقتلون من شاؤوا وكيف شاؤوا، وغنموا شيئًا كثيرًا وأموالًا جزيلة، ثم بعث عبد الله بن حازم [بالفتح إلى ابن عامر، فرضي عنه وأقره على خراسان -وكان قد عزله عنها- فاستمر بها عبد الله بن حازم] (٤) إلى ما بعد ذلك.

[ذكر من توفي من الأعيان في هذه السنة]

العباس بن عبد المطلب (٥) بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي أبو الفضل المكي عم رسول الله ، ووالد الخلفاء العباسيين، وكان أسنَّ من رسول الله بسنتين أو ثلاث، أسر يوم بدر فافتدى نفسه بمالٍ، وافتدى ابني أخويه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث. وقد ذكرنا أنه لما أُسر وشُدَّ في الوثاق وأمسى الناس، أرقَ رسول الله فقيل يا رسول الله مالك؟ فقال "إني أسمع أنين العباس في وثاقه فلا


(١) في أ: واستشار.
(٢) في ط: "المشمس" خطأ، وما أثبتناه يعضده ما في تاريخ البخاري الكبير (٢/ ١٢)، وثقات ابن حبان (٤/ ٤٢)، وتوضيح المشتبه لابن ناصر الدين (١/ ٢١٢).
(٣) البيت في تاريخ الطبري (٤/ ٣١٣) وديوان عمرو بن معد يكرب.
(٤) ما بين الحاصرتين ساقط من أ ومستدرك عن الطبعة المصرية.
(٥) ترجمة -العباس بن عبد المطلب- في الطبقات (٤/ ٥ - ٣٣) والاستيعاب (٢/ ٨١٠) وجامع الأصول (١٤/ ٤٣٢) وتاريخ دمشق -عبادة، عبد الله- (١٠٤ - ٢٠٨) وأسد الغابة (٣/ ١٦٤ - ١٦٧) وتاريخ الإسلام (٢/ ٩٨) وسير أعلام النبلاء (٢/ ٧٨ - ١٠٣) والإصابة (٢/ ٢٧١ - ٢٧٢).