للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المأمونُ بِرَدِّ القريتَيْن، فبكى الشيخُ بكاءٍ شديدًا؛ فقال المأمون: ما لَك؟ ألم أستأنِفْ بك جميلًا؟ قال: بلَى. ولكنْ هو من بركةِ البرامكة. فقال له المأمون: امضِ مُصاحَبًا، فإنَّ الوفاءَ مُبارَك، ومراعاةُ حُسنِ العَهْدِ والصُّحْبَةِ من الإيمان.

[وفيها توفي]

الفُضَيل بن عِيَاض (١) أبو علي التَّميمي، أحدُ أئمةِ العُبَّاد الزُّهَّاد، وهو أحد العلماء والأولياء. ولد بخُراسان، بكُورَةِ دِيْنَوَر، وقدم الكوفةَ وهو كبير، فسمع به الأعمش، ومنصور بن المعتمر، وعطاء بن السائب، وحُصين بن عبد الرحمن، وغيرهم. ثم انتقل إلى مكة، فتعبَّدَ بها. وكان حسَنَ التلاوة، كثيرَ الصلاةِ والصيام؛ وكان سيدًا جليلًا، ثقةً، من أئمة الرواية. ورضي عنه. وله مع الرشيدِ قضَةٌ طويلة، وقد روَيْنا ذلك مُطوَّلًا في كيفيَّةِ دخولِ الرشيد عليه مَنْزِلَه؛ وما قال له الفُضَيل بن عياض؛ وعرَض عليه الرشيدُ المال، فأبَى أنْ يقبلَ منه ذلك. توفي بمكة في المحرَّم من هذه السنة. وذكروا أنه كان شاطرًا يقطعُ الطريق. وكان يتعشَّقُ جاريةً، فبينما هو ذات ليلةٍ يتسوَّرُ عليها جدارًا إذْ سمع قارئًا يقرأ: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الحديد: ١٦]، فقال: بلَى. وتابَ وأقلَعَ عمَّا كان عليه، ورجَعَ إلى خَربةٍ فباتَ بها، فسمع سُفَّارًا يقولون: انهضوا بنا نسافر. فقال بعضُهم (٢): إنَّ فُضَيلًا أمامَكم يقطعُ الطريق. فأمَّنهم واستمرَّ على توبته، حتى كان منه ما كان، من السيادَةِ والزَّهادة؛ ثم صار علَمًا يُقتدى به، ويُهتدَى بكلامهِ وفعالِه.

قال الفُضيل: لو أنَّ الدنيا كلَّها حلالٌ لا أُحاسبُ بها، لكنتُ أتقذَّرُها كما يتقذَّرُ أحدُكم الجيفةَ إذا مَرَّ بها أنْ تُصيبَ ثوبَه (٣).


(١) ترجمته في معرفة الرجال (٢/ ٢١٣)، طبقات ابن سعد (٥/ ٥٠٠)، تاريخ خليفة (٤٥٨)، طبقات خليفة (٢٨٤)، التاريخ الصغير (٢/ ٢١٩)، التاريخ الكبير (٧/ ١٢٣)، المعارف (٥١١)، الجرح والتعديل (٧/ ٧٣)، مشاهير علماء الأمصار الترجمة (١١٧٩)، طبقات الصوفية (٦)، حلية الأولياء (٨/ ٨٤)، الرسالة القشيرية (١/ ٦٢)، تاريخ دمشق لابن عساكر (٤٨/ ٣٧٥)، صفة الصفوة (٢/ ٢٣٧)، المختار من مناقب الأخيار (٤/ ١٩٣)، جامع الأصول (١٥/ ٣٧)، تهذيب الأسماء واللغات (٢/ ٥١)، وفيات الأعيان (٤/ ٤٧)، تهذيب الكمال (٢٤/ ٢٨١)، مختصر تاريخ دمشق (٢٠/ ٢٩٨)، طبقات علماء الحديث الترجمة (٢١٥)، سير أعلام النبلاء (٨/ ٤٢١)، ميزان الاعتدال (٣/ ٣٦١)، تذكرة الحفاظ (١/ ٢٤٥)، العبر (١/ ٢٩٨)، طبقات الأولياء (٢٦٦)، العقد الثمين (٧/ ١٣)، تهذيب التهذيب (٨/ ٢٩٤)، تقريب التهذيب (٤٤٨)، النجوم الزاهرة (٣/ ١٢١)، الطبقات الكبرى للشعراني (١/ ٦٨)، الكواكب الدرية (١/ ٣٩٥)، شذرات الذهب (٢/ ٣٩٩)، جامع كرامات الأولياء (٢/ ٢٣٥).
(٢) في (ق): ". . . ويقولون: خُذوا حِذْرَكم، إن فضيلًا. . . ". والمثبت من (ب، ح).
(٣) كذا رواية (ق): ورواية (ب، ح): "لو أن الدنيا كلها لي ولا أحاسب عليها لأنفتها وتجنَّبْتُها كما يتجنَّبُ أحدكم =

<<  <  ج: ص:  >  >>