للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قصّة مصَارعة رُكانة وكيف أراه الشجرة التي دعاها فأقبلتْ -

قال ابن إسحاق (١): وحدَّثني أبي إسحاقُ بن يسار قال: وكان رُكانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف أشدَّ قريش (٢) فخلا يومًا برسولِ الله في بعض شعاب مكة، فقال له رسولُ الله : "يا رُكانة، ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه؟ " قال: إني لو أعلم أنَّ الذي تقولُ حق لاتَّبعتُك. فقال له رسول الله : "أفرأيت إنْ صرعتُك، أتعلم أنَّ ما أقولُ حقّ؟ " قال: نعم. قال: "فقُمْ حتى أُصارعَك". قال: فقام رُكانةُ إليه فصارعه، فلما بطش به رسولُ الله أضْجعه لا يملك من نفسه شيئًا ثم قال: عُدْ يا محمد، فعاد فصرعه. فقال: يا محمد، والله إنَّ هذا للعجب! أتصرعني؟ قال: "وأعجب من ذلك إنْ شئت أُريكه إن اتقيت الله واتبعتَ أمري". قال: وما هو؟ قال: "أدعو لك هذه الشجرة التي ترى فتأتيني". قال: فادْعُها. فدعاها فأقبلتْ حتى وقفتْ بين يديْ رسولِ الله فقال لها: ارجعي إلى مكانك فرجعتْ إلى مكانها.

قال: فذهب رُكانةُ إلى قومه فقال: يا بني عبد مناف، ساحِرُوا بصاحبِكم أهلَ الأرض، فواللهِ ما رأيتُ أسحرَ منه قطّ. ثمَّ أخبرَهم بالذي رأى والذي صنَع.

هكذا روى ابنُ إسحاق هذه القصة مرسلة بهذا البيان. وقد روى أبو داود والترمذي (٣) من حديث أبي الحسن العسقلاني، عن أبي جعفر بن محمد بن رُكانة، عن أبيه، أنَّ رُكانة صارع النبيُّ فصرعه النبيُّ . ثمَّ قال الترمذي: غريبٌ ولا نعرف أبا الحسن ولا ابنَ رُكانة (٤).

قلت: وقد روى أبو بكر الشافعي بإسنادٍ جيد عن ابن عباس : أن يزيد بن رُكانة صارَعَ النبيَّ فصرعه النبيُّ ثلاث مرَّات، كل مرة على مئةٍ من الغنم، فلما كان في الثالثة قال: يا محمد، ما وَضَع ظهري إلى الأرض أحَدٌ قبلك، وما كان أحدٌ أبغض إليَّ منك. وأنا أشهدُ أنْ لا إله إلا الله وأنك رسولُ الله. فقام عنه رسولُ الله وردَّ عليه غَنَمه.

وأما قصة دعائه الشجرة فأقبلتْ، فسيأتي في كتاب دلائل النبوة بعد السيرةِ من طُرقٍ جيدة صحيحة (٥)، في مرَّات متعدِّدة إنْ شاء الله وبه الثقة.


(١) السير والمغازي (ص ٢٧٦) وسيرة ابن هشام (١/ ٣٩٠) واللفظ له، والروض (٢/ ١٣٤).
(٢) في ح، ط: قريشًا، والمثبت من سيرة ابن هشام والروض.
(٣) سنن أبي داود (٤٠٧٨) اللباس باب في العمائم، وسنن الترمذي (١٧٨٤) اللباس باب العمائم على القلانس.
(٤) عبارة الترمذي: "هذا حديث غريب (يعني: ضعيف) وإسناده ليس بالقائم ولا نعرف أبا الحسن العسقلاني ولا ابن ركانة".
(٥) سيأتي في (٦/ ١٢٣) من ط.