للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثم دخلت سنة سبع وثمانين]

ففيها عزل الوليد بن عبد الملك هشام بن إسماعيل عن إمرة المدينة وولَّى عليها ابن عمه وزوج أخته فاطمة بنت عبد الملك عمرَ بن عبد العزيز، فدخلها في ثلاثين بعيرًا في ربغ الأول منها، فنزل دار مروان وجاء الناس للسلام عليه، وعمره إذ ذاك خمس وعشرون سنة، فلما صلّى الظهر دعا عشرةً من فقهاء المدينة وهم عُروة بن الزُّبير، وعُبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبو بكر بن سليمان بن [أبي] حثمة، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد اللّه بن عمر، وأخوه عبيد اللّه بن عمر، وعبد اللّه بن عبد اللّه بن عمرو (١)، وعبد اللّه بن عامر بن ربيعة، وخارجة بن زيد بن ثابت. فدخلوا عليه فجلسوا فحمد اللّه وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: إني إنما دعوتكم لأمر تؤجرون عليه وتكونون فيه أعوانًا على الحق، إني لا أريد أن أقطع أمرًا إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحدًا يتعدّى أو بلغكم عن عامل لي ظلامة، فأحرِّج على من بلغه ذلك إلا أبلغني. فخرجوا [من عنده] يجزونه خيرًا، وافترقوا على ذلك.

وكتب الوليد إلى عمر بن عبد العزيز بأن يوقف هشام بن إسماعيل للناس عند دار مروان - وكان يسيء الرأي فيه - لأنه أساء إلى أهل المدينة في مدة ولايته عليهم، وكانت نحوًا من أربع سنين، ولا سيما إلى سعيد بن المسيب وإلى علي بن الحسين. وأهل بيته، فلما أوقف للناس قال هشام: ما أخاف إلا من سعيد وعلي بن الحسين، فقال (٢) سعيد بن المسيب لابنه ومواليه: لا يعرض منكم أحد لهذا الرجل فإني تركت ذلك للّه وللرَّحم. وأمّا كلامه فلا أكلمه أبدًا، وأما علي بن الحسين فإنه مرّ به وهو موقوف فلم يعرض له، وكان قد تقدم إلى خاصته أن لا يعرض أحد منهم له فلما اجتاز به علي بن الحسين وتجاوز عنه ناداه هشام بن إسماعيل فقال: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٤].

وفي هذه السنة غزا مسلمة بن عبد الملك بلاد الروم فقتل منهم خلقًا كثيرًا، وفتح حصونًا كثيرة وغنم غنائم جمة، ويقال إن الذي غزا بلاد الروم في هذه السنة هشام بن عبد الملك ففتح حصن بولق، وحصن الأخرم [وبحيرة الفرسان] (٣) وحصن بولس، وقمقم، وقتل من المستعربة نحوًا من ألف وسبى ذراريهم.


(١) في الكامل لابن الأثير: وعبد اللّه بن عبيد الله بن عمر.
(٢) من قوله: وأهل بيته .. إلى هنا ساقط من ط، والخبر بكماله في تاريخ الطبري (٦/ ٤٢٧ - ٤٢٨) وابن الأثير (٤/ ٥٢٧ - ٥٢٦).
(٣) ما بين معكوفين زيادة من ط، والعبارة في تاريخ الاسلام (حوادث سنة ٨١ - ١٠٠/ ص ٢٩)، والخبر في تاريخ الطبري (٦/ ٤٢٩) وابن الأثير (٤/ ٥٢٨).