للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر ابن عساكر في "تاريخه" في ترجمة ريا حاضنة يزيد بن معاوية: أن يزيد حين وضع رأس الحسين بين يديه تمثل بشعر ابن الزبعرى - يعني قوله:

ليتَ أَشْياخي ببدرٍ شَهِدُوا … جَزَعَ الخَزْرَجِ منْ وَقْعِ الأَسَلْ

قال: ثم نصبه بدمشق ثلاثة أيام، ثم وضع في خزائن السلاح، حتى كان زمن سليمان بن عبد الملك جيء به إليه وقد بقي عظمًا أبيض، فكفَّنه وطيَّبه وصلَّى عليه ودفنه في مقبرة المسلمين. فلما جاءت المسوِّدة -يعني بني العباس- نبشوه وأخذوه معهم. وذكر ابن عساكر: أن هذه المرأة بقيت بعد دولة بني أمية وقد جاوزت المئة سنة (١)، فاللَّه أعلم.

وادَّعت الطائفة المسمَّون بالفاطميِّين الذين ملكوا الديار المصرية قبل سنة أربعمئة إلى ما بعد سنة ستين وستمئة: أن رأس الحسين وصل إلى الديار المصرية ودفنوه بها وبنَوا عليه المشهد المشهور به بمصر -الذي يقال له: تاج الحسين- بعد سنة خمسمئة. وقد نص غير واحد من أئمة أهل العلم على أنه لا أصل لذلك، وإنما أرادوا أن يروِّجوا بذلك بطلان ما ادَّعوه من النسب الشريف، وهم في ذلك كذبة خونة، وقد نص على ذلك القاضي الباقلّاني وغير واحد من أئمة العلماء في دولتهم في حدود سنة أربعمئة، كما سنبيِّن ذلك كله إذا انتهينا إليه في مواضعه إن شاء اللَّه تعالى.

[قلت: والناس أكثرهم يروج عليهم مثل هذا، فإنهم جاؤوا برأس، فوضعوه في مكان هذا المسجد المذكور وقالوا: هذا رأس الحسين، فراج ذلك عليهم واعتقدوا ذلك، واللَّه أعلم] (٢).

[فصل في ذكر شيء من فضائله]

روى البخاري من حديث شعبة ومَهْدي بن ميمون، عن محمد بن أبي يعقوب، سمعت ابن أبي نُعْم (٣) قال: سمعت عبد اللَّه بن عمر -وسأله رجل من أهل العراق عن المحرِم يقتل الذباب- فقال: أهلُ العراق يَسْألون عن قتل الذباب وقد قتلوا ابنَ بنت رسول اللَّه وقد قال رسول اللَّه : "هما رَيْحانتايَ منَ الدُّنيا" (٤).


(١) تاريخ ابن عساكر: جزء تراجم النساء (ص ١٠١ - ١٠٤).
(٢) ما بين حاصرتين ليس في ب.
(٣) تحرف في الأصول إلى: نعيم.
(٤) أخرجه البخاري (٣٧٥٣) في فضائل أصحاب النبي، و (٥٩٩٤) في الأدب.