للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ثبتَ في الحديث الآخر، أنَّ مسيلمةَ كتبَ بعد ذلك إلى النَّبِيِّ : بسم الله الرحمن الرحيم، مِن مسيلمةَ رسولِ اللّه، إلى محمّدٍ رسولِ الله، سلامٌ عليكَ، أمَّا بعدُ قد أُشْرِكْتُ في الأمرِ معكَ، فلكَ المَدَرُ ولي الوَبَرُ، ولكن قُريشًا قومٌ يعتدُونَ. فكتبَ إليه رسولُ اللّه : "بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم، مِن محمَّدٍ رسولِ اللّه إلى مُسيلمةَ الكَذابِ، سَلامٌ على مَنِ اتَّبَعَ الهُدى، أمَّا بعدُ فإنَّ الأرضَ للّه يُورثها مَن يَشَاءُ مِن عبادِه والعَاقِبَةُ للمُتَّقين" (١). وقد جعل اللّه العاقبةَ لمحمَّدٍ وأصحابِه لأنَّهم هُم المتَّقون، وهم العَادِلون المؤمنون، لا مَن عَداهُم.

وقد وردتِ الأحاديثُ المَروَيَّةُ من طُرق عنه في الأخبار عن الرِّدة التي وقعت في زمن الصِّدِّيقِ، فقاتلَهم الصِّدِّيقِ بالجُنُودِ المُحمَّديَّةِ حتى رَجعُوا إلى دين اللّه أفواجًا، وعَذُبَ مَاءُ الإيمان كما كانَ بعدما صَار أُجاجًا، وقد قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: ٥٤]، قال المفسرون: هم أبو بكر وأصحابُه .

وثبتَ في الصحيحين: من حديث عَامرٍ الشَّعبيِّ، عن مَسْروق، عن عائشَةَ، في قِصَّة مسَارَّةِ النَّبِيّ ابنتَه فاطمةَ وإخبارِه إيَّاهَا بأَنَّ جبريلَ كان يُعارضهُ بالقرآنِ في كلِّ عامٍ مرَّة "وإِنَّه عارضني العَامَ مرتين، وما أرى ذلك إِلَّا لاقترابِ أَجَلي" فبكت، ثم سارَّها، فأخبرَها بأنَّها سَيِّدَةُ نِساءَ أهلِ الجنَّة، وأنَّها أَوّلُ أهلِه لُحوقًا به (٢). وكانَ كما أخبرَ. قال البيهقيُّ: واختلفُوا في مُكثِ فاطمةَ بعدَ رسولِ اللّه ، فقيل: شهرانِ، وقيلَ: ثلاثة، وقيل: ستة، وقيل: ثمانية، قالَ: وأصحُّ الروايات رواية الزهري: عن عروةَ، عن عائشةَ، قالت: مكثت فاطمةُ بعدَ رسولِ الله ستةَ أشهرٍ. أخرجاه في الصحيحين (٣).

ومن كتاب دلائل النبوة في باب إخباره عن الغُيوبِ المستقبلة

فمن ذلك ما ثبتَ في الصحيحين: من حديث إبراهيم بن سَعد، عن أبيه، عن أبي سَلَمَة، عن عائشة، قالت: قال رسولُ الله : "إنَّه قد كانَ في الأُمم مُحَدَّثونَ، فإن تكن في أُمَّتي فعمرُ بنُ الخطَّاب" (٤).


(١) السيرة النبوية لابن هشام (٤/ ٢١٠) ودلائل النبوة للبيهقي (٥/ ٣٣١) وهو حديث حسن.
(٢) رواه البخاري في صحيحه رقم (٣٦٢٤) في المناقب، ومسلم في صحيحه رقم (٢٤٥٠) في فضائل الصحابة.
(٣) قطعة من حديث رواه البخاري في صحيحه رقم (٤٢٤٠) في المغازي، ومسلم في صحيحه رقم (١٧٥٩) (٥٢٠) في الإمارة.
(٤) رواه البخاري في صحيحه رقم (٣٤٦٩) في أحاديث الأنبياء، ومسلم في صحيحه رقم (٢٣٩٨) في فضائل الصحابة.