للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وسيأتي أنه أطلق لهم الذرية، وكانت ستة آلاف ما بين صبيٍّ وامرأة، وأعطاهم أنعامًا وأناسيَّ كثيرًا. حتى قال أبو الحسين بن فارس: فكان قيمة ما أطلق لهم يومئذ خمسمائة ألف ألف درهم. فهذا كلُّه من بركته العاجلة في الدنيا، فكيف ببركته على من اتبعه في الدار الآخرة؟.

[فصل]

قال ابن إسحاق بعد ذِكر رجوعه إلى أمه آمنة بعد رَضاعة حليمة له (١): فكان رسول الله مع أُمه آمنةَ بنتِ وَهْب، وجدِّه عبد المطلب في كَلاءَةِ الله وحِفْظه، يُنبته الله نباتًا حسنًا لِمَا يريدُ به من كرامته، فلما بلغ ستَّ سنين توفيت أُمُّه آمنة بنت وَهْب.

قال ابن إسحاق (٢): حدّثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حَزْم، أن أُمَّ رسولِ الله آمنة توفيت وهو ابنُ ستِّ سنين بالأبْواء، بين مكة والمدينة، كانت قد قدِمَتْ به على أخواله من بني عَدِيِّ بن النجَّار، تُزيره إيَّاهم، فماتتْ وهي راجعة به إلى مكة.

وذكر الواقديُّ بأسانيده (٣)، أنَّ النبيَّ خرجتْ به أمُّه إلى المدينة ومعها أمُّ أيمن وله ستُّ سنين، فزارتْ أخوالَه. قالت أمُّ أيمن: فجاءني ذات يومٍ رجلان من يهودِ المدينة فقالا [لي] (٤): أخرجي إلينا أحمد ننظر إليه. فنظرا إليه وقلَّباه، فقال أحدُهما لصاحبه: هذا نبيُّ هذه الأمة، وهذه دارُ هِجْرته، وسيكونُ بها من القتل والسَّبْي أمْرٌ عظيم. فلما سمعتْ أُمُّه خافتْ وانصرفت به، فماتتْ بالأبواء وهي راجعة.

وقد قال الإمام أحمد (٥): حدَّثنا حسين بن محمد، حدّثنا أيُّوب بن جابر، عن سِماك، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن ابن (٦) بريدة عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله حتى إذا كنا بوَدَّان (٧) قال: "مكانكم حتى آتيكم" فانطلق ثم جاءنا وهو ثقيل (٨)، فقال: "إني أتيتُ قبر أُم محمد، فسألتُ ربي الشفاعة -يعني لها- فمنعنيها، وإني كنتُ نهيتُكم عن زيارة القبور فَزُوروها، وكنت نهيتُكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاثة


(١) في سيرة ابن هشام (١/ ١٦٨).
(٢) بهذا اللفظ في سيرة ابن هشام (١/ ١٦٨) وبلفظ مختلف في سيرة ابن إسحاق (ص ٤٢).
(٣) طبقات ابن سعد (١/ ١١٦).
(٤) ما بين معقوفين ليس في ح وهو من ط.
(٥) في مسنده (٥/ ٣٥٦، ٣٥٧).
(٦) وقع في المسند: أبي بريدة، وهو تصحيف، وهو سليمان بن بُريدة.
(٧) "وَدَّان": قرية جامعة من نواحي الفُرْع، بينها وبين هَرْش ستة أميال، وبينها وبين الأبواء نحو من ثمانية أميال، قريبة من الجحفة. معجم البلدان (٥/ ٣٦٥).
(٨) في المسند: "سقيم" خطأ (وهي كما هنا في طبعة مؤسسة الرسالة ٣٨/ ١٢٤) وهو الصواب.