للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبُهتَ وأبْلَس ولم ينطِقْ، وتحيَّر وخَجِل، ثم قالت: قاتل الله جميلًا حيثُ يقول:

لحَا اللّهُ منْ لا ينفعُ الوُدُّ عندَهُ … ومنْ حَبْلُهُ إنْ صُدَّ غَيْرُ مَتينِ

ومنْ هو ذو وجهَيْنِ ليسَ بدائمٍ … على العَهْدِ حَلَّافٌ بكلِّ يمين (١)

ثم شرَعَ كثير يعتذِرُ ويتنصَّل مما وقع منه ويقول في ذلك الأشعارَ ذاكرًا وآثرًا (٢).

وقد ماتَتْ عَزَّةُ بمصرَ في أيام عبد العزيزِ بنِ مروان، وزار كُثَيِّرٌ قبرَها، ورثاها، وتغيَّرَ شعرُه بعدَها، فقال له قائل: ما بالُ شعرِك تغيَّر وقد قصَّرْتَ فيه؟ فقال: ماتتْ عزَّةُ ولا أطرب، وذهب الشبابُ فلا أعجَب، وماتَ عبدُ العزيز بن مروان فلا أرغَب، وإنما ينشَأُ الشعرُ عن هذه الخِلال.

وكانت وفاتُه ووفاة عِكرمة في يومٍ واحد، ولكنْ في سنةِ خمسين ومئة على المشهور. وإنما ذكره شيخنا أبو عبد اللَّه الذهبي في هذه السَّنة - أعني سنة سبعٍ ومئة - واللّه سبحانه أعلم.

[ثم دخلت سنة ثمان ومئة]

ففيها افتتح مَسْلَمةُ بن عبد الملك قَيْساريَّة من بلاد الروم، وفتح إبراهيمُ بن هشام بن عبد الملك حصنًا من حصون الرُّوم أيضًا، وفيها غزا أسدُ بن عبد اللَّه القَسْريُّ أميرُ خراسان، فكسَرَ الأتراك كسرةً فاضحة.

[وفيها زحَفَ خاقانُ إلى أذْربيجان، وحاصر مدينةَ وَرْثان (٣)، ورماها بالمَنَاجيق، فسار إليه أميرُ تلك الناحية الحارث بن عمرو نائبُ مسلمةَ بنِ عبد الملك، فالتقى مع خاقان ملكِ الترك فهزمَهُ، وقُتل من جيشه خَلْقٌ كثير، وهرب الخاقانُ بعد أنْ كان قُتل في جملة من قتل جيشه، وقُتل الحارثُ بن عمرو شهيدًا، وذلك بعد أنْ قتلوا من الأتراك خَلْقًا كثيرًا.

وفيها غزا معاويةُ بنُ هشام بن عبد الملك أرضَ الروم، وبعث البَطَّال على جيشٍ كثيف، فافتَتَح جَنْجَرة (٤)، وغَنِم منها شيئًا كثيرًا] (٥).


(١) البيتان في ديوان جميل ص (٢١٠) بخلاف يسير.
(٢) والخبر بنحوه في الأغاني (٩/ ٤١، ٤٢).
(٣) ورثان: آخر حدود أذربيجان انظر معجم البلدان (٥/ ٣٧٠).
(٤) جنجرة: مدينة قرب حضرموت. انظر معجم البلدان (٢/ ١٦٨).
(٥) ما بين معقوفين زيادة من (ق).

<<  <  ج: ص:  >  >>