للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عائشة: لما ماتتْ خديجةُ جاءت خَوْلة بنت حكيم فقالت: يا رسولَ الله، ألا تزوَّج؟ قال: "ومن"؟ قالت: إنْ شئتَ بكرًا وإنْ شئتَ ثَيِّبًا. قال: "مَنِ البِكْرُ ومَن الثَيِّب"؟ قالت: أما البِكْر فابنةُ أحبِّ خلقِ الله إليك عائشة، وأما الثيِّب فسَوْدَة بنت زَمَعة، قد آمنتْ بك واتبعَتْك. قال: "فاذكريهما عليَّ" وذكر تمام الحديث نحو ما تقدَّم.

وهذا يقتضي أنَّ عَقْدَهُ على عائشة كان متقدِّمًا على تزويجه بسودة بنت زمعة، ولكنَّ دخوله على سَوْدَة كان بمكة، وأما دخوله على عائشة فتأخَّرَ إلى المدينة في السنة الثانية كما تقدَّم وكما سيأتي.

وقال الإمام أحمد (١): حدَّثنا أسود، حدَّثنا شريك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: لما كبِرَت سَوْدَةُ وهبَتْ يَوْمَها لي، فكان رسولُ الله يَقْسِم لي بيومها مع نسائه. قالت: وكانتْ أولَ امرأةٍ تزوَّجها بعدي.

وقال الإمام أحمد (٢): حدَّثنا أبو النَّضْر، حدَّثنا عبد الحميد، حدَّثني شهر، حدَّثني عبد الله بن عباس، أنَّ رسولَ الله خطب امرأةً من قومه يقالُ لها سَوْدَة وكانت مُصْبِيَة، كان لها خمس صبْيَة - أو ستة - من بعل لها مات. فقال رسولُ الله : "ما يَمْنَعُكِ مني؟ " قالت: والله يا نبيَّ الله، ما يمنعُني منك (٣) أن لا تكونَ أحبَّ البريَّةِ إليَّ، ولكنِّي أُكْرِمُك أن يضعوا هؤلاء الصبية عند رأسِكَ بُكْرةً وعشيَّة. قال: "فهل منَعَكِ مني شيءٌ غيرُ ذلك؟ " قالت: لا والله، قال رسولُ الله : "يرحمكِ الله، إنَّ خيرَ نساءٍ ركبنَ أعجاز الإبل، صالحُ نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على بعلٍ بذاتِ يده".

قلت: وكان زوجَها قبل رسول الله السكران بن عمرو، أخو سُهيل بن عمرو، وكان ممن أسلم وهاجر إلى الحبشة كما تقدَّم (٤)، ثم رجع إلى مكة فمات بها قبل الهجرة .

وهذه السياقات كلُّها دالَّةٌ على أن العَقْد على عائشة كان متقدِّما على العَقْد بسَوْدَة، وهو قول عبد الله بن محمد بن عقيل، ورواه يونس، عن الزُّهْري. واختار ابن عبد البرِّ أن العَقْد على سَوَدة قبلَ عائشة، وحكاه عن قتادة وأبي عُبيد. قال: ورواه عقيل عن الزُّهْري.

[فصل]

قد تقدم ذِكر موت أبي طالب عمَّ رسولِ الله ، وأنه كان ناصرًا له وقائمًا في صفِّه، ومُدَافعًا عنه بكلِّ ما يقدِرُ عليه من نفس ومال ومقال وفعال، فلما مات اجترأ سفهاءُ قريش على رسولِ الله ونالوا منه


(١) في المسند (٦/ ٦٨) رقم (٢٤٢٧٦) ورواه بنحوه البخاري رقم (٢٥٩٣).
(٢) في المسند (١/ ٣١٨) وهو حديث حسن.
(٣) في ط: أن يمنعوا، تصحيف، والمثبت من ح ومسند أحمد.
(٤) تقدم ذلك في الخبر (ص ٢٨٥).