للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخَمْسةَ، فرفَعَ كلَّ ذَلِك إلى السَّماءِ، فذَلِك قولُه: ﴿وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ﴾ [المؤمنون: ١٨]، فإذا رُفِعَتْ هَذ الأشْيَاءُ منَ الأرْضِ، فَقَدْ حُرِمَ أهْلُها خيرَ الدُّنْيا والآخِرَةِ ". وهذا حديثٌ غَريبٌ جدًّا، بلْ مُنْكرٌ، ومَسْلَمةُ بنُ عُلَيٍّ ضَعيفُ الْحَديث عِنْدَ الأئمَّة (١).

وَقَدْ وَصَفَ اللهُ سُبْحانهُ عُيونَ الجَنَّةِ بِكَثْرةِ الْجَريانِ، وأنَّ أهْلَ الجَنَّةِ حَيْثُ شَاؤوا فَخرُوها، أي اسْتَنْبَطُوها، في أيِّ مكان شاؤوا، وفي أيِّ المحلات أرادوا، وفي أيّ المساكن أحبُّوا، نَبَعتْ لهُمُ العُيُونُ بِفُنونِ المَشَارِبِ، وَلذيذ المياهِ، وَقَدْ قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: ما في الْجَنَّةِ عَيْنٌ إلَّا تَنْبُغٌ منْ تَحْتِ جَبَل [منْ مِسْكٍ].

وروى الأعْمشُ عَنْ عَمْرِو بن مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عن ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ قالَ: أنْهارُ الجَنَّةِ تَفَجَّرُ منْ جَبَلِ مِسْكٍ. وَقَدْ [جَاءَ] هَذَا في حَديثٍ مَرْفُوعٍ، رواهُ الحَاكمُ في " مُسْتَدْرَكِه " فقال: أنبأنا الأصمُّ، أنبأنا الرَّبيع بنُ سُلَيْمانَ، حدَّثنا أسد بن موسى، حدّثنا ابنُ ثَوْبانَ، عنْ عَطاء بنِ قُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ ضَمْرةَ، عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله : "منْ سَرَّهُ أنْ يَسْقِيَهُ اللهُ منَ الْخَمْرِ في الآخِرَةِ فَلْيَتْرُكْها في الدُّنيا، ومنْ سَرَّهُ أنْ يَكْسُوَه اللهُ الحَريرَ في الآخِرَةِ فَلْيَتْرُكْهُ في الدُّنيا. أنهار الجنة تفجَّر من [تحت] تلال أو جبال المسك، ولو كان أدنى أهل الجنة حلية، عدلت بحلية أهل الدنيا جميعًا، لكان ما يحلِّيه الله تعالى به في الآخرة أفضل من حلية الدنيا جميعًا " (٢).

[فصل في أشجار الجنة]

قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا﴾ [النساء: ٥٧] وقال تعالى: ﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ﴾ [الرحمن: ٤٨] والأفْناد الأغْصانُ، وقوله: ﴿مُدْهَامَّتَانِ﴾ [الرحمن: ٦٤] أي منْ كَثْرَةِ رِيِّهما، واشْتِبَاكِ أشْجارِهما، وقال تعالى: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ﴾ [الرحمن: ٥٤] أي قَريبٌ منَ التَّنَاوُلِ [يتناولونه] وهُمْ على فُرُشهمْ كيف شاؤوا، كما قال تعالى: ﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾ [الحاقة: ٢٣] وقال تعالى: ﴿وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا﴾ [الإنسان: ١٤] وقال تعالى: ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (٣١) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (٣٣) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ﴾ [الواقعة: ٢٧ - ٣٤]،


(١) ابن عدي في " الكامل " (٦/ ٤٣١٦) والخطيب في " تاريخ بغداد " (١/ ٥٧ - ٥٨).
(٢) رواه البيهقي في " البعث والنشور " (٢٩٢) عن الحاكم من حديث أبي هريرة مرفوعًا، و (٢٥٩٣) من حديث ابن مسعود موقوفًا، وهو حديث حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>