للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسموا تنوخًا. ولد بالبصرة سنة خمس وستين (١) وثلاثمئة، وسمع الحديث سنة سبعين، وقبلت شهادته عند الحكام في حداثته، وتولّى القضاء بالمدائن وغيرها، وكان صدوقًا محتاطًا، إلا أنّه كان يميل إلى الاعتزال والرفض.

[ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وأربعمئة]

في يوم الخميس لثمان بقين من المحرم، عُقد عقد الخليفة على خديجة بنت أخي السلطان طُغْرُلْبَك، وقيل: امرأة أخيه داود، وتُلَقب أرسلان خاتون على صداق مئة ألف دينار، وحضر هذا العقد عميد الملك الكندريّ وزير طُغْرُلْبَك، ونقيب العلويين، ونقيب الهاشميين، وقاضي القضاة الدامغاني، وأقضى القضاة الماوردي، ورئيس الرؤساء ابن المسلمة، وهو الذي خطب الخطبة، وقبل الخليفة العقد بنفسه، فلمّا كان شعبان ذهب رئيس الرؤساء إلى الملك طُغْرُلْبَك وقال: أمير المؤمنين يقول ذلك: قال اللَّه تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٥٨]. وقد أذن في نقل الوديعة الكريمة إلى داره العزيزة، فقال: السمع والطاعة، فذهبت أمّ الخليفة إلى دار المملكة لاستدعاء العروس فجاءت معها، وفي خدمتها الوزير عميد الملك، فدخلوا دار الخلافة، وشافه [الوزير] الخليفةَ عن عَمِّها يسأل معاملتها باللطف. والإحسان. فلما دخلت عليه قتلت الأرض بين يديه مرارًا، فأدناها إليه وأجلسها إلى جانبه، وأفاض عليها خلعة سنيّة وتاجًا من جوهر، وأعطاها من الغد مئة ثوب ديباج، وقضبانًا من ذهب، وطاسة ذهب قد رُصّع فيها الجوهر، والياقوت، والفيروزج، وأقطعها في كل سنة [من ضياعه] من عمل الفرات [ما يغلّ] اثني عشر ألف دينار.

وفي هذه السنة: أمر السلطان طُغْرُلْبَك ببناء دار الملك العضديّة، فخربت محال كثيرة في عمارتها، ونهبت العامة أخشابًا كثيرة بسببها من دور الأتراك، والجانب الغربي، وباعوه على الخبازين [والطباخين] وغيرهم.

وفيها: وقع غلاء شديد [على الناس]، وخوف، ونهب كثير ببغداد، ثمّ عقب ذلك فناء عظيم بحيث دفن كثير من الناس بغير غسل ولا تكفين، وغلت الأشربة، وما يحتاج إليه المرضى كثيرًا، [واعترى الناس موت كثير] واغبرَّ الجوّ، وفسد الهواء، وكثر الذباب. قال ابن الجوزي في "منتظمه" (٢): وعمّ هذا الوباء والغلاء مكّة، والحجاز، وديار بكر، والموصل، وبلاد الروم، وخراسان، والجبال، والدنيا كلّها، هذا لفظه.


(١) في (ط): خمس وخمسين، خطأ.
(٢) المنتظم (٨/ ١٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>