للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نحو من ثلاثمئة ألف مقاتل بسيفٍ ورمح ومقلاع، ومن يكثر سوادهم، فقدَّم الموفّق ولدَه أبا العباس بين يديه، فتقدَّم حتى وقف تحت قصر الملك، فحاصره محاصرة لم ير مثلها، وتعجبت الزَّنج من إقدامه وجرأته مع صغر سنه وحداثة عمره، فتراكمت الزنوج عليه من كلِّ مكان، فهزمهم، وأثبت بهبوذ أكبر أمرائه بالسهام والحجارة، ثم خامرت (١) جماعة من أمراء صاحب الزَّنج وأجناده إلى الموفّق، فأكرمهم وأعطاهم خِلَعًا سنية، فرغب إلى ذلك جماعة كثيرون منها، فصاروا إليه.

وركب أبو أحمد في يوم النصف من شعبان ونادى في الناس كلِّهم بالأمان إلا صاحب الزَّنج، فتحوَّل خلْق من جيشه إلى أبي أحمد، ولله الحمد.

وابتنى الموفّق تجاه مدينة صاحب الزَّنج مدينة سمَّاها الموفَّقيَّة، وأمر بحمل الأمتعة والتجارات إليها، فاجتمع بها من أنواع الأشياء وصنوفها ما لم يجتمع في بلدٍ قبلها، وعظم شأنها. وإنَّما بناها ليستعين بها على قتال صاحب الزَّنج، ثم جرت بينهم حروب عظيمة، وما زالت الحرب ناشبةً بينهم حتَّى انسلخت هذه السنة وهم محاصرون [لبلد] (٢) الخبيث ومن فيه، وقد تحول منهم خلْق كثير فصاروا على صاحب الزَّنج بعد أن كانوا معه، بلغ عددهم قريبًا من خمسين ألفًا من الأمراء الخواص والأجناد، والموفَّق وأصحابه ولله الحمد في ازدياد وقوة وظفر ونصر.

وحجَّ بالناس في هذه السنة هارون بن محمد بن إسحاق بن موسى بن عيسى الهاشمي.

[وممن توفي فيها من الأعيان]

إسماعيل بن سَمُّويَه (٣).

وإسحاق بن إبراهيم، شاذان (٤).

وبحر (٥) بن نَصْر الخَوْلانيّ.

وعباس التُّرْقُفيّ (٦).


(١) "خامرت": خالطت وقاربت.
(٢) من ب، ظا.
(٣) إسماعيل بن عبد الله بن مسعود، أبو بشْر العَبْدي الأصبهاني، سَمُّويَه، صاحب الأجزاء الفوائد التي تنبئ بحفظه وسعة علمه، ثقة صدوق. سير أعلام النبلاء (١٠/ ١٣)، العبر (٢/ ٣٥).
(٤) أبو بكر، النهشلي، الفارسي، شاذان، محدث، وثقه ابن حِبَّان. سير أعلام النبلاء (١٢/ ٣٨٢)، العبر (٢/ ٣٥).
(٥) في الأصول والمطبوع: يحيى. وهو بحر بن نَصْر بن سابق الخولاني مو لاهم المصري، أبو عبد الله. محدّث ثقة.
تهذيب الكمال (٤/ ١٦)، سير أعلام النبلاء (١٢/ ٥٠٢).
(٦) عباس بن عبد الله بن أبي عيسى الباكُسائي التُّرْقُفي، محدث حجة أحد الرحَّالين في السُّنن، ثقة صالح عابد. سير أعلام النبلاء (١٣/ ١٢)، واللباب (١/ ١١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>