للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قدومُ الأشْعَثِ بنِ قَيْسٍ في وفد كِنْدة

قال ابن إسحاق (١): وقدم على رسول الله الأشعثُ بن قَيْس في وَفْدِ كِنْدة، فحدّثني الزهريُّ أنه قدمَ في ثمانين راكبًا من كِنْدة، فدخلوا على رسول الله مسجدَه، قد رجَّلوا جُمَمَهم وتَكَحَّلوا، عليهم جُبَب الحِبَرَة (٢)، قد كفَّفُوها بالحرير، فلما دخلوا على رسول الله قال لهم: "ألم تُسْلِموا؟ " قالوا: بلى. قال: "فما بالُ هذا الحرير في أعناقِكُم" قال: فَشَقُّوه منها، فألقوه. ثم قال له الأشعثُ بن قيس: يا رسول الله! نحن بنو آكل المُرار، وأنت ابن آكل المُرار. قال: فتبسم رسول الله وقال: "ناسِبُوا بهذا النَّسَبِ العباسَ بن عبد المطلب، وربيعةَ بن الحارث" وكانا تاجِرَيْن إذا شاعا (٣) في العرب فسئلا ممن أنتما؟ قال: نحن بنو آكل المُرار، يعني ينسبان إلى كِنْدة، ليَعِزَّا في تلك البلاد، لأنّ كِنْدة كانوا ملوكًا، فاعتقدَتْ كِنْدة أن قريشًا منهم، لقول عباس وربيعة: نحن بنو آكل المُرار، وهو الحارث بن عمرو (بن حُجْر بن عمرو) (٤) بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كِنْديّ، ويقال: ابن كِنْدة. ثم قال رسول الله لهم: "لا، نحن بنو النَّضْر بن كنانة، لا نَقْفُو أمَّنا، ولا ننتفي من أبينا". فقال لهم الأشعث بن قيس: والله يا معشر كندة لا أسمع رجلًا يقولها إلا ضربته ثمانين.

وقد روي هذا الحديث متصلًا من وجه آخر، فقال الإمام أحمد (٥): حدّثنا بَهْزٌ وعَفّان، قالا: حدّثنا حماد بن سَلمةَ، حدّثني عَقيل بن طلحة، وقال عَفّان في حديثه: أنبأنا عَقيل بن طلحة السُّلَمي، عن مسلم بن هَيْصَم (٦)، عن الأشعث بن قيس أنه قال: أتيتُ رسولَ الله في وفد كِنْدة. قال عفان: لا يَرَوْني أفضلَهم، قال: قلت: يا رسول الله، إنا نَزْعُمْ (٧) أنَّكمْ منّا. قال: فقال رسول الله : "نحن بنو النَّضْر بن كنانة، لا نقفو أمَّنَا، ولا نَنْتَفي من أَبينا" قال: قال الأشعث: فواللهِ لا أسمعُ أحدًا نَفَى قُريشًا من النَّضْرِ بن كِنانة إلا جلدتُه الحدَّ.

وقد رواه ابن ماجه (٨)، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون. وعن محمد بن يَحْيى، عن سليمان بن حَرْب. وعن هارون بن حيَّان عن عبد العزيز بن المغيرة. ثلاثتهم عن حماد بن سلمة به نحوه.


(١) سيرة ابن هشام (٢/ ٥٨٥ - ٥٨٦) وانظر طبقات ابن سعد (١/ ٣٢٨).
(٢) الحِبَرَة: بكسر الحاء وفتحها وفتح الباء ضروب من برود اليمن منَمَّر (اللسان: حبر).
(٣) ط: (إذ شاعا)، وشاعا: بَعُدا، كما في شرح السيرة لأبي ذر الخشني (١٤٤).
(٤) ما بين القوسين زيادة من سيرة ابن هشام (٢/ ٥٨٦) وانظر جمهرة الأنساب (٤٢٧).
(٥) مسند الإمام أحمد (٥/ ٢١٢)، وإسناده حسن.
(٦) ط: (هيضم) تحريف. انظر تهذيب الكمال (٢٧/ ٥٤٧).
(٧) في الأصول: (أنا ابن عم) وما أثبته عن المسند.
(٨) سنن ابن ماجه رقم (٢٦١٢) كتاب الحدود باب من نفى رجلًا من قبيلته، وهو حديث حسن.