للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر نبوّة يوشع وقيامه بأعبَاء بني إسرَائيل بعد موسى وهارون (١)

هو يوشع بن نون بن أفراييم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل (٢). وقد ذكره الله تعالى في القرآن غيرَ مُصَرّح باسمه في قصّة الخضرِ، كما تقدم من قوله: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ﴾ ﴿فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ﴾ وقدّمنا (٣) ما ثبت في الصحيح من رواية أُبي بن كعب ، عن النبي : من أنه يوشع بن نون، وهو متفق على نبوّته عند أهل الكتاب، فإن طائفة منهم -وهم السامرة- لا يقرّون بنبوّة أحدٍ بعد موسى إلا يوشع بن نون، لأنه مصرّح به في التوراة، ويكفرون بما وراءه، وهو الحق من ربّهم، فعليهم لعائن الله البالغه (٤) إلى يوم القيامة.

وأما ما حكاه ابن جرير وغيره من المفسرين، عن محمد بن إسحاق من أن النبوة (٥) حُولت من موسى إلى يوشع في آخر عمر موسى، فكان موسى يلقى يوشَع فيسأله ما أحدث الله من الأوامر والنواهي حتى قال له: يا كليم الله، إني كُنت لا أسألك عما يوحي الله إليك حتى تخبرني أنت ابتداءً من تلقاء نفسك، فعند ذلك كره موسى الحياة وأحب الموت (٦)، ففي هذا نظر، لأن موسى لم يزل الأمر، والوحي، والتشريع، والكلام من الله إليه من جميع أحواله حتى توفّاه الله ﷿، ولم يزل معزَّزًا مكرّمًا مدلَّلًا وجيهًا عند الله، كما قدّمنا في الصحيح من قصّة فقْئه عَين مَلك الموت، ثمَّ بعثه الله إليه إن كان يريد الحياة فليضع يده على جلد ثور فله بكلِّ شعرة وارَتْ يدُه سنةٌ يعيشها، قال: ثمّ ماذا؟ قال: الموت. قال: فالآن يا رب. وسأل الله أن يُدنيه إلى بيت المقدس رميةً بحجر، وقد أجيب إلى ذلك صلوات الله وسلامه عليه (٧).

فهذا الذي ذكره محمد بن إسحاق إن كان إنّما يقوله من كتب أهل الكتاب، ففي كتابهم الذي يسمونه التوراة: أن الوحي لم يزل ينزل على موسى في كلّ حينٍ يحتاجون إليه إلى آخر مدّة موسى، كما هو المعلوم من سياق كتابهم عند تابوت الشهادة في قبّة الزمان.


(١) قوله: ذكر ليس في ط. وفي ب: عليهما ..
(٢) زاد في ب: وأهل الكتاب يقولون: يشوع بن عم هود. وفي ط: وأهل كتاب … يوشع بن عم هود.
(٣) ص (٨٦) من هذا الجزء. في (ذكر قصة موسى والخضر).
(٤) في ط: المتتابعة.
(٥) زاد في أ هنا: من أن التوراة.
(٦) تاريخ الطبري (١/ ٤٣٣) وما بعدها.
(٧) هكذا في الأصل، وهذه القطعة التي أشار إليها المصنف ليست في صحيح البخاري وانما تفرد بها مسلم من حديث سليمان التيمي عن أنس فأخرجها في أحاديث الأنبياء من صحيحه (٢٣٧٥)، فلعل صواب العبارة: "وقد ثبت في الصحيح في أحاديث الإسراء أن رسول الله مر بموسى وهو قائم يصلي في قبره؛ رواه مسلم عن أنس"، وإلا فإن ما ذكر غير صحيح.