للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قصّة عيسى ابن مريم عبد اللّه ورسوله وابن أمته عليه من اللّه (١) أفضل الصلاة والسّلام

قال الله تعالى في سورة آل عمران التي أنزل صدرها وهو ثلاث وثمانون آية منها في الردّ على النصارى، عليهم لعائن الله، الذين زعموا أن للّه ولدًا، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا. وكان قد قَدِمَ وفد نجران (٢) منهم على رسول الله ، فجعلوا يذكرون ما هم عليه من الباطل من التثليث في الأقانيم، ويدّعون بزعمهم أن الله ثالث ثلاثة؛ وهم الذات المقدسة، وعيسى ومريم، على اختلاف فرقهم، فأنزل اللّه ﷿ صدر هذه السورة بيّن فيها أن عيسى عبد من عباد اللّه خلقه وصوَّره في الرحم كما صوّر غيره من المخلوقات، وأنه خلقه من غير أبٍ كما خلق آدم من غير أب ولا أم، وقال له: كن، فكان، . وبين أصل ميلاد أمّه مريم، وكيف كان من أمرها، وكيف حملت بولدها عيسى، وكذلك بسط ذلك في سورة مريم كما سنتكلّم على ذلك كلّه بعون اللّه وحسن توفيقه وهدايته. فقال تعالى وهو أصدق القائلين ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤) إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [٣٣ - ٣٧].

يذكر أنه اصطفى آدم والخُلَّص من ذريته المتَّبِعِين شرعَه الملازمين طاعته، ثمّ خصص فقال: ﴿وَآلَ إِبْرَاهِيمَ﴾ فدخل فيهم بنو إسماعيل وبنو إسحاق. ثمّ ذكر فضل هذا البيت الطاهر الطيب وهم آل عمران، والمراد بعمران هذا والد مريم . وقال محمد بن إسحاق (٣) وهو عمران بن باشم بن أمون ابن ميشا بن حزقيا بن أحريق بن موثم بن عزازيا بن أمصيا بن ياوش بن احريهو بن يازم بن بهفاشاط بن إيشا بن إيان بن رحبعام بن سليمان بن داود.

وقال أبو القاسم بن عساكر: مريم بنت عمران بن ماثان بن العازر بن اليود بن اخنر بن صادوق بن عيازور بن الياقيم بن ايبود بن زريابيل بن شالتال بن [يوحينا بن برشا بن أمون بن ميشا بن


(١) في ط: قصة عيسى بن مريم عليه من الله …
(٢) سيفصل ابن كثير الحديث عن وفد نجران في الجزء الخامس، باب الوفود.
(٣) نقل الطبري نسب عمران في تاريخه (١/ ٥٨٦)، عن ابن إسحاق وفيه بعض خلاف من حيث اللفظ فقط. وكذلك هو في تفسيره (٣/ ١٥٧).