للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد انهزم أصحابه في بعض تلك الحروب هزيمة فظيعة، ثم تراجعوا إليه، واجتمعوا عليه، ثم كرُّوا على أهل البصرة، فهزموهم، وقتلوا منهم خلْقًا وأسروا آخرين، فكان لا يؤتى بأحدٍ من الأسرى إلا قتله. ثمَّ قوي أمره بعد ذلك وخافه أهل البصرة، وبعث الخليفة إليها مددًا يكونون لهم على صاحب الزَّنج هذا الخارجيّ، قبَّحه اللّه. ثم أشار عليه رؤوس أصحابه أن يهجم بهم على أهل البصرة فيدخلوها عَنْوَةً، فهجَّن آراءهم، وقال: بل نكون منها قريبًا حتَّى يكونوا هم الذين يطلبوننا إليها، ويخطبوننا عليها.

وسيأتي ما كان من أمره وأمر أهل البصرة في السنة المستقبلة إن شاء اللّه تعالى.

وحجَّ بالناس في هذه السنة عليّ بن الحسين بن إسماعيل بن العباس بن محمد بن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس.

[وممن توفي في هذه السنة من الأعيان]

الجاحظ المتكلِّم المعتزليّ (١): وإليه تُنسَبُ الفرقة الجاحظيّة. وهو أبو عثمان عَمرو بن بَحْر بن مَحْبُوب الكِنانيّ الليثي، المعروف بالجاحظ؛ لجحوظ (٢) عينيه، ويقال له الحَدقيّ، وكان شنيعَ المنظر، سيء المخبر، رديء الاعتقاد، ينسب إلى البدعة، وربما جاز (٣) به بعضهم إلى الانحلال حتى يقال في المثل: يا ويحَ من كفره ككفرِ الجاحظ، واللّه أعلم بحاله.

وكان بارعًا فاضلًا قد أتقن علومًا كثيرةً، وصنَّف كتبًا جمَّة تدل على قوَّة ذهنه وجودة تصرُّفه. ومن أجلِّ كتبه: كتاب "الحيوان"، وكتاب "البيان والتبيين".

قال ابن خلكان (٤): وهما أحسن مصنفاته وأمتعها. وقد أطال ترجمته بحكايات ذكرها عنه. وذكر أنه أصابه الفالج في آخر عمره، وحكى أنه قال: أنا من جانبي الأيسر مفلوجٌ، لو قُرِضَ بالمقاريض ما علِمْتُ به، ومن جانبي الأيمن مُنَقْرسٌ (٥) لو مرَّت به الذُّبابة لألِمْتُ، وبي حصاةٌ، وأشدُّ ما عليَّ ستٌّ وتسعون سنةَ. وكان ينشد (٦):

أتَرْجُو أنْ تَكُونَ وَأنْتَ شَيْخٌ … كَما قَدْ كُنْتَ أيَّامَ الشَّبابِ


(١) له ترجمة في الفهرست (٢٠٨)، أمالي المرتضى (١/ ١٩٤)، تاريخ بغداد (١٢/ ٢١٢)، نزهة الألباء (١٣٢)، معجم الأدباء (١٦/ ٧٤)، وفيات الأعيان (٣/ ٤٧٠)، سير أعلام النبلاء (١١/ ٥٢٦).
(٢) في بعض النسخ: لسوء.
(٣) في ب، ظا: جاوز.
(٤) وفيات الأعيان (٣/ ٤٧١).
(٥) "منقرس": مصاب بالنقرس.
(٦) تاريخ بغداد (١٢/ ٢١٩)، ومعجم الأدباء (١٦/ ١١٣)، ووفيات الأعيان (٣/ ٤٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>