عن أبي كُرَيب، عن ابنِ أبي فُديك، عن عبد الملك بن زيد بن سعيد بن نُفَيل، عن مصعب بن مصعب، عن الزُّهْري، به.
قلتُ: وهذا حديثٌ غَرِيبٌ مُنْكَر، ومُصْعَب بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزُّهري تكلَّمَ فيه وضعَّفَهُ على بن الحسين بن جنيد، وكذا تكلَّم في الراوي عنه أيضًا. والله أعلم.
وفيها غزا النعمانُ بن يزيد بن عبد الملك الصائفةَ من بلادِ الروم، وفي ربيع الآخِر منها تُوفِّي أميرُ المؤمنين:
هشامُ بنُ عبدِ الملكِ بنِ مَرْوَان (١)
[ذكر وفاته وترجمته ﵀]
هو هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبدِ شمس أبو الوليد القُرشي الأموي الدمشقي أمير المؤمنين، وأمه أُمُّ هشام بنت هشام بن إسماعيل المخزومي، وكانت دارُهُ بدِمَشق عند باب الخوَّاصين، وبعضُها اليوم مدرسةُ نورِ الدينِ الشهيد التي يُقالُ لها النُّورِيَّة الكبيرة، وتُعرَفُ بدارِ القَبَّابِين - يعني الذين يبيعون القِبَاب وهي الخِيَام - فكانت تلك المحلَّةُ دارَه، والله أعلم.
وقد بُويع له بالخِلافةِ بعدَ أخيه يزيدَ بنِ عبدِ الملك بعهدٍ منهُ إليه، وذلك يومَ الجمعة لأربعٍ بَقِينَ من شعبان سنةَ خمسٍ ومئة، وكان له من العمر يومئذٍ أربعٌ وثلاثون سنة، وكان جميلًا أبيضَ أحْوَل، يَخْضِبُ بالسَّوَاد، وهو الرابعُ من ولَدِ عبد الملك لِصُلْبِهِ الذين وَلُوا الخِلافة، وقد كان عبدُ الملك رأى في المنام كأنَّهُ بالَ في المِحراب أربعَ مَرَّات، فدسَّ إلى سعيدِ بن المسيَّب مَنْ سألَهُ عنها، ففسَّرَها له بأنَّهُ يَلِي الخلافةَ مِنْ وَلَد أربعة، فوقَعَ ذلك، فكانَ هشامٌ آخِرَهُمْ، وكان في خلافتِهِ حازمَ الرَّأي، جَمَّاعًا للأموال يُبَخَّل، وكان ذَكيًّا مُدَبِّرًا، له بصَرٌ بالأمور جَليلِها وحَقيرِها، وكان فيه حِلْمٌ وأنَاة، شتَمَ مرَّةً رجلًا من الأشرافِ فقال: أتشتُمُني وأنتَ خليفةُ اللهِ في الأرض!؟ فاستحيا وقال: اقتصَّ مِنِّي بدلَها - أو قال بمثلِها - قال: إذًا أكونُ سَفيهًا مثلَك. قال: فخذْ عِوَضًا منها. قال: لا أفعل. قال: فاتُركْها لله. قال: هي للّه، ثم لك. فقال هشامٌ عند ذلك: واللّه لا أعودُ إلى مثلِها.
وقال الأصمعي: أسمَعَ رجلٌ هشامًا كلامًا فقال له: أتقولُ لي مثل هذا وأنا خَلِيفتُك؟!
وغَضِبَ مرَّة على رجلٍ فقال له: اسكُتْ وإِلَّا ضرَبْتكَ سَوْطًا.
(١) ترجمته في تاريخ الطبري (٤/ ٢١٧)، تاريخ اليعقوبي (٢/ ٣١٦)، الكامل (٤/ ٣٧٠ و ٤٦٥)، سير أعلام النبلاء (٥/ ٣٥١)، تاريخ الخلفاء ص (٢٤٧)، شذرات الذهب (١/ ١٦٣).