وقال تعالى في سورة نون: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [القلم: ٤٨ - ٥٠].
قال علماءُ التفسير: بعثَ الله يونسَ ﵇ إلى أهل "نينوى" من أرض المَوْصل، فدعاهم إلى الله ﷿، فكذبوه وتمرَّدوا على كفرهم وعنادهم، فلما طال ذلك عليه من أمرهم، خرج من بين أظهرِهم، ووعدَهم حلولَ العذاب بهم بعد ثلاث.
قال ابن مسعود، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، وغير واحد منَ السلف والخلف: فلما خرجَ من بين ظهرانيهم وتحقَّقوا نزولَ العذاب بهم قذفَ الله في قلوبهم التوبة والإنابة، وندموا على ما كان منهم إلى نبيهم، فلبسوا المسوحَ، وفرَّقوا بين كلّ بهيمةٍ وولدها، ثم عجُّوا (١) إلى الله ﷿، وصرَخوا وتضرَّعوا إليه، وتمسكنوا لديه، وبكى الرجالُ والنساء والبنون والبنات والأمهات، وجأرت الأنعام والدوابُّ والمواشي، فرغت الإبل وفصلانها، وخارت البقر وأولادها، وثغت الغنم وحملانها، وكانت ساعة عظيمة هائلة.
فكشفَ الله العظيمُ بحوله وقوَّته ورأفتِه ورحمتِه عنهم العذابَ الذي كان قد اتَّصَلَ بهم بسببه، ودار على رؤوسهم كقطع الليل المظلم، ولهذا قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا﴾ [يونس: ٩٨] أي: هلا وجدت فيما سلف من القرون قريةً آمنت بكمالها، فدلَّ على أنه لم يقع ذلك، بل كما قال