للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صفة خروج المهدي الضال بأرض جبلة (١)

وفي هذه السنة خرجت النُّصيريَّة عن الطَّاعة فأقاموا (٢) من بينهم رجلًا سَمَّوْهُ محمد بن الحسن المهدي القائم بأمر الله، [وتارة يدَّعي أنه عليُّ بنُ أبي طالب فاطرُ السموات والأرض، تعالى الله عمّا يقولُون علوًّا كبيرًا (٣) وتارةً يدّعي أنَّه محمدٌ بن عبد الله صاحب البلاد، وصرّح بكفْر (٤) المسلمين، وأنَّ النُّصيريّة على الحقِّ، واحتوى هذا الرجلُ على عقول كثير من كبار النُّصيرية الضُّلَّال، وعيَّن لكل إنسان منهم تقدمةَ ألف، وبلادًا كثيرة ونيابات، وحَمَلوا على مدينة جَبَلة فدخلوها وقتلوا خلقًا من أهلها، وخرَجُوا منها يقولون: لا إله إلّا علي، ولا حجاب إلّا محمد، ولا باب إلّا سلمان. وسَبُّوا الشَّيْخين، فصاح أهل البلد وا إسلاماه، وا سلطاناه، وا أميراه، فلم يكن لهم يومئذ ناصر ولا منجد، وجعلوا يبكون ويتضرَّعون إلى الله ﷿، فجمع هذا الضَّالُّ تلك الأموال فقسمها على أصحابه وأتباعه قبّحهم الله أجمعين. وقال لهم: لم يبق للمسلمين ذكر ولا دولة، ولو لم يبق معي سوى عشرة نفر لملكنا البلاد كلَّها.

ونادى في تلك البلاد: إنَّ المقاسمة (٥) بالعُشْر لا غير، ليرغِّب الفلاحين (٦) فيه، وأمر أصحابه بخراب المساجد واتّخاذها خَمَّارات، وكانوا يقولون لمن أسروه من المسلمين. قل لا إله إلا علي، واسجد لإلهك المهدي، الذي يُحيي ويُميت حتَّى يُحقن دَمُك، ويكتب لك فرمان، وتجهَّزوا وعملوا أمرًا عظيمًا جدًّا، فجُرّدت إليهم العساكر فهزموهم وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا، وجمًا غفيرًا، وقُتِلَ المهديُّ الذي أضلَّهم، وهو يكون يوم القيامة مقدَّمَهم إلى عذاب الشعير، كما قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ (٧) [الحج: ٣ - ٤].

وفيها حجَّ الأمير حسام الدين مُهَنَّا وولده سليمان في ستة آلاف، وأخوه محمد بن عيسى في أربعة آلاف، ولم يجتمع مُهَنَّا بأحدٍ من المصريين ولا الشَّاميين (٨)، وقد كان في المصريين قَجْليس وغيره والله أعلم.


(١) الشذرات (٦/ ٤٣) وجبلة مدينة مشهورة على الساحل السُّوري. ويقال: فيها قبر إبراهيم بن أدهم.
(٢) في ط: وكان.
(٣) ما بين الحاصرتين زيادة من ط وب. وليست في أ.
(٤) في ط: وخرج يكفر وهو تحريف.
(٥) في ط: بالمقاسمة.
(٦) ليست في ط.
(٧) وفي (أ، ط): ذلك بما قدَّمت يداك الآية، حيث جعل هذا الكلام جزءًا من الآيتين السابقتين. وهذا توهم.
(٨) إذ كان مهنا لا يزال عند التتر.

<<  <  ج: ص:  >  >>