للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي بُكْرة نهار الثُّلاثاء الثامن والعشرين من شوّال وصل الشّيخ الإمام العلّامة شيخ الكتَّاب شهابُ الدّين محمود بن سليمان الحلبي على البريد من مصرَ إلى دمشقَ متولِّيًا كتابةَ السرِّ بها، عوضًا عن شرف الدين عبد الوَهَّاب بن فضل الله توفي إلى رحمة الله (١).

وفي ذي القعدة يوم الأحد دُرِّسَ بالصَّمْصاميّة (٢) التي جُددت للمالكية، وقد وقف عليها الصاحب شمس الدين بن غبريال درسًا، ودرَّس بها فقهًا (٣)، وعيَّن تدريسها لنائب الحكم الفقيه نور الدين علي بن عبد النُّصير (٤) المالكي، وحضر عنده القضاة والأعيان، وممَّن حضَر عنده الشيخ تقي الدين بن تيمية، وكان يعرفه من إسكندريَّة.

وفيه درس بالدّخْواريَّة (٥) الشيخ جمال الدين محمد بن الشيخ شهاب الدين أحمد الكحّال، ورُتِّب في رياسة الطبّ عوضًا عن أَمين الدين سُليمان الطبيب، بمرسوم نائب السَّلطنة تَنْكِز، واختاره لذلك.

واتّفق أنّه في هذا الشهر تجمَّع جماعةٌ من التجار بماردين وانضاف إليهم خَلقٌ من الجُفَّال من الغَلاء قاصدين بلاد الشام، حتى إذا كانوا بمرحلَتَيْن من رأس العين لحقهم ستون فارسًا من التتار فمالوا عليهم بالنَّشَاب وقتلوهم عن آخرهم، ولم يبق منهم سوى صبيانهم نحو سبعين صبيًّا، فقالوا من يقتل هؤلاء؟ فقال واحد منهم: أنا بشرط أن تنفِّلوني بمال من الغنيمة، فقتلهم كلهم عن آخرهم، وكان جملة من قتل من التُّجَّار ستمئة، ومن الجفلان ثلثمئة من المسلمين، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وردموا بهم خمس صهاريج هناك حتى امتلأت بهم ، ولم يسلم من الجميع سوى رجل واحدٍ تُرْكُماني، هرب وجاء إلى رأس العين فأخبر الناس بما رأى وشاهد من هذا الأمر الفظيع المؤلم الوجيع، فاجتهد مُتَسَلِّمُ ديار بكر سُوتاي (٦) في طلب أولئك التَّتر حتى أهلكهم عن آخرهم، ولم يبق سوى رجلين، لا جمعَ الله بهم شملًا، ولا لقَّاهم مرحبًا وسهلا، ولا ردَّ عليهم يوم القيامة مالًا ولا أهلًا (٧). آمين يا رب العالمين.


(١) الدرر الكامنة (٤/ ٣٢٤) وفوات الوفيات (٤/ ٨٢) وسيأتي في وفيات سنة (٧٢٥ هـ).
(٢) بمحلة حجر الذهب، شرقي دار القرآن الوجيهية وبالقرب من المارستان النوري. وقد درست وصارت دورًا مع غيرها. منادمة الأطلال (ص ٢٢٦).
(٣) في ط: فقهاء.
(٤) في ط: البصير. وهو تحريف.
(٥) وهي مدرسة بالصاغة العتيقة بقرب الخضراء، قبلي جامع الأموي، أنشأها المهذب والدخوار ووقفها على الأطباء. انظر الدارس (٢/ ١٢٧) ومنادمة الأطلال (ص ٢٥٢).
(٦) في ط وأ: سوياي. وأثبتنا ما في الدرر الكامنة (٢/ ١٧٨) وفيه: سوتاي التتري النوين الحاكم على ديار بكر. مات سنة (٧٣٢ هـ)، وكذلك في الدليل الشافي (١/ ٣٢٨).
(٧) في ط وأ العبارة مضطربة: ولم يبق منهم سوى رجلين، لا جمع الله بهم شملًا، ولا بهم مرجًا ولا أهلًا. وأثبتنا ما في ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>