للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكوفة المُغيرة بن شعبة، وعلى قضائها شُريح القاضي، وعلى البصرة عبد الله بن عامر، وعلى خُراسان قيس بن الهيثم من قبل عبد الله بن عامر. [واستقضى مروانُ على المدينة عبدَ الله بن الحارث، وعلى قضاء البصرة عَمِيرة بن يَثْرِبي] (١).

وفيها تحرَّكت الخوارج الذين كانوا قد عَفَا عنهم عليٌّ يوم النَّهروان، وقد عوفي جرحاهم، وثابت إليهم قواهم. فلما بلغهم مقتلُ علي ترحَّموا على قاتله ابن مُلْجم وقال قائلهم: لا يقطع الله يدًا علت قَذَال (٢) عليٍّ بالسَّيف. وجعلوا يَحْمَدُون الله على قتل علي، ثم عزموا على الخروج على الناس، وتوافقوا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما يزعمون.

وفي هذه السنة قدم زياد بن أَبيه على معاوية - وكان قد امتنع عليه قريبًا من سنة في قلعة عُرفت به يقال لها: قلعة زياد - فكتب إليه معاوية: ما يحملُكَ على أن تهلك نفسَك؟ أقدم عليَّ فأخبرني بما صار إليك من أموال فارس وما صرفتَ منها وما بقي عندك فائتني به وأنت آمن، فإن شئت أن تقيم عندنا فعلتَ، وإلّا فاذهب حيث ما شئتَ من الأرض فأنت آمِن. فعند ذلك أزمع زياد المسير إلى معاوية، فبلغ المغيرةَ قدومُه، فخشي أن يجتمع بمعاوية قبلَه، فسار نحو دمشق إلى معاوية، فسبقه زياد إلى معاوية بشهر، فقال معاوية للمغيرة: ما هذا وهو أبعد منك وأنت قد خرجت قبله (٣) وقد سبقك إليّ؟! فقال المغيرة: يا أمير المؤمنين إنه ينتظر الزِّيادة وأنا أنتظر النُّقصان. فأكرمَ معاوية زيادًا، وقبض منه ما كان معه من الأموال، وصدَّقه فيما صرَفَه [وما بقي عنده] (٤).

[ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين]

فيها غزا بُسْر بن أبي أَرْطاة بلاد الروم، فتوغَّل فيها حتى بلغ القُسْطَنْطينية، وشتا ببلادهم فيما زعمه الواقدي، وأنكر ذلك آخرون وقالوا: لم يكن بها مشتى لأحد قط، فالله أعلم.

وفيها كانت وقعة عظيمة بين الخوارج وجند الكوفة، وذلك أنهم صمَّموا - كما قدَّمنا - على الخروج على الناس في هذا الحين، فاجتمعوا في قريب من ثلاثمئة عليهم المستورِد بن عُلَّفَة (٥)، فجهَّز إليهم


(١) ما بين حاصرتين من آ فقط، وقد تحرف فيها عميرة إلى: عمير. أخبار القضاة لوكيع (١/ ٢٩٠) وقد شُكل فيه عميرة - رسمًا - بضم الميم: وهو خطأ.
(٢) "القذال": جماع مؤخر الرأس.
(٣) وردت هذه العبارة في ط: وأنت جئت بعده بشهر.
(٤) سقط من ط.
(٥) كذا قيده ابن ماكولا في إكماله (٦/ ٢٥٨ - ٢٥٩) وقد تحرف في الأصول - في غير موضع -: إلى: علقمة.