للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخرج من بين يديه معظَّمًا مكرمًا، وركب العَبَّاس بن المقتدر، والوزير علي بن عيسى ونصر الحاجب في خدمته لتوديعه، وكبراء الأمراء بين يديه مثل الحجبة، وكان خروجه يومًا مشهودًا، قاصدًا بلاد الثغور لقتال الرُّوم ظفره اللّه بهم، وأيده ونصره.

وفي جمادى الأولى [منها] (١) قُبضَ على رجل خنَّاق قد قتل خَلْقًا من النساء، لأنه ادَّعى أنه يعرف العطف والتنجيم، فقصده النساء لذلك، فإذا انفرد بالمرأة قام إليها (٢) فخنقها بِوَتَر - وأعانته امرأته على ذلك - ثم حفر لها في داره فدفنها، فإذا امتلأت تلك الدَّار (٣) انتقل عنها إلى غيرها، ولما ظهر عليه وجد في داره (٤) سبع عشرة امرأة قد خنقهن، ثم تتبعت الدور التي سكنها، فوجدوا قد قتل شيئًا كثيرًا من النساء، فَضُربَ ألف سَوْطٍ، ثم صلب حيًا حتى مات، قبحه اللّه.

ظهور الدَّيْلَم

وفي هذه السنة كان ظهور الدَّيْلم ببلاد الرَّي، فكان فيهم ملك غَلَبَ على أمرهم يقال له مَرداوِيج (٥)، يجلس على سريرٍ من ذهب، وبين يديه سرير من فضَّة، ويقول: أنا سليمان بن داود، وقد سار في أهل الرَّي وقزوين وأصبهان سيرة قبيحة جدًّا؛ كان يقتل النساء والصِّبيان في المهود، ويأخذ أموال النَّاس، وهو في غاية الجبروت والشدة والجرأة على محارم الله ﷿، فقتلته الأتراك، وأراح الله المسلمين من شَرِّه، ولله الحمد والمنة.

وفي هذه السنة كانت وقعة عظيمة بين يوسف بن أبي السَّاج وبين أبي طاهر القِرْمطي عند الكوفة؛ سبقه إليها أبو طاهر فحال بينه وبينها، فكتب إليه يوسف بن أبي الساج: اسمع وأطع وإلا فاستعد للقتال يوم السبت تاسع شوَّال من هذه السنة فقال: هلم [فسار إليه] (٦)، فلما تراءى الجمعان استقلَّ يوسف بن أبي السَّاج - وكان معه عشرون ألفًا - جيشَ القرامطة، وكان معه ألف فارس (٧) وخمسمئة راجل. فقال [يوسف] (٨): وما قيمة هؤلاء الكلاب؟ وأمَرَ الكاتبَ أن يكتب بالفتح قبل اللقاء إلى الخليفة، فلما اقتتلوا ثبت القرامطة ثباتًا عظيمًا، ونزل أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الجَنَّابي لعنه اللّه،


(١) ما بين حاصرتين من (ط).
(٢) في (ط): قام إليها ففعل معها الفاحشة، وخنقها.
(٣) في (ط): من القتلى.
(٤) في (ط): التي هو فيها. أخيرًا.
(٥) انظر خبره في أحداث سنة (٣٢٣ هـ).
(٦) ما بين حاصرتين من (ط).
(٧) في (ب) و (ظ) ألفا فارس، وما أثبتناه موافق لما في تاريخ الإسلام (٧/ ٢١٢).
(٨) ما بين حاصرتين من (ط).

<<  <  ج: ص:  >  >>