للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: "أربعون سنة" قلت: ثم أي؟ قال: "ثم حَيْثُ أدركت الصَّلاةَ فصلِّ، فكلُّها مسجد" (١).

وعند أهل الكتاب: أن يعقوبَ هو الذي أسَّس المسجدَ الأقصى، وهو مسجد إيليا بيت المقدس، شرَّفه اللّه.

وهذا مُتَّجِهٌ، ويشهدُ له ما ذكرناه من الحديث، فعلى هذا يكونُ بناء يعقوبَ - وهو إسرائيل بعد بناءَ الخليل وابنه إسماعيل المسجدَ الحرام بأربعينَ سنةً سواء، وقد كان بناؤُهما ذلك بعد وجود إسحاق، لأن إبراهيمَ لمَّا دَعا قال في دعائه، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦) رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٣٨) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٩) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ [إبراهيم: ٣٥ - ٤١].

وما جاء في الحديث (٢): من أنَّ سُليمان بن داود ، لما بنَى بيتَ المقدس سألَ اللّه خِلالًا ثلاثًا، كما ذكرناه عند قوله: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي﴾ [ص: ٣٥] وكما سنُورده في قصَّته. فالمرادُ من ذلك أنَّه جدَّد بناءَه، كما تقدَّم من أنَّ بينهما أربعينَ سنةً، ولم يقلْ أحدٌ إنَّ بين سليمان وإبراهيم أربعينَ سنةً، سوى ابن حِبَّان في "تقاسيمه" وأنواعه، وهذا القولُ لم يُوافق عليه، ولا سُبِقَ إليه.

* * *

ذكر بناية (٣) البيت العتيق

قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ [الحج: ٢٦، ٢٧].


(١) أخرجه البخاري (٣٣٦٦) في الأنبياء، ومسلم (٥٢٠) في المساجد ومواضع الصلاة.
(٢) أخرجه أحمد في المسند (٢/ ١٧٦) والنسائي في سننه (٢/ ١٧٦) في المساجد، وابن حبان في صحيحه (١٦٣٣) الإحسان.
(٣) في المطبوع: بناء.